بالنا نقتل من لم يذنب قصدا ونجعله فداء للمسلمين، ونخالف النص في قتل النفس التي حرم الله تعالى (قلنا) لهذا نرى المسألة في محل الاجتهاد ولا يبعد المنع من ذلك، ويتأيد بمسألة السفينة وأنه يلزم منه قتل ثلث الأمة لاستصلاح ثلثيها ترجيحا للكثرة إذ لا خلاف في أن كافرا لو قصد قتل عدو محصور كعشرة مثلا وتترس بمسلم فلا يجوز لهم قتل الترس في الدفع، بل حكمهم كحكم عشرة أكرهوا على قتل أو اضطروا في مخمصة إلى أكل واحد، وإنما نشأ هذا من الكثرة، ومن كونه كليا، لكن للكلي الذي لا يحصر حكم آخر أقوى من الترجيح بكثرة العدد وكذلك لو اشتبهت أخته بنساء بلدة حل له النكاح، ولو اشتبهت بعشرة وعشرين لم يحل، ولا خلاف أنهم لو تترسوا بنسائهم وذراريهم قاتلناهم، وإن كان التحريم عاما، لكن نخصصه بغير هذه الصورة، فكذلك هاهنا التخصيص ممكن. وقول القائل: هذا سفك دم محرم معصوم يعارضه أن في الكف عنه إهلاك دماء معصومة لا حصر لها، ونحن نعلم أن الشرع يؤثر الكلي على الجزئي، فإن حفظ أهل الإسلام عن اصطلام الكفار أهم في مقصود الشرع من حفظ دم مسلم واحد، فهذا مقطوع به من مقصود الشرع، والمقطوع به لا يحتاج إلى شهادة أصل. اهـ
وبعد ما تقدم من التمهيد بالحديث عن المصالح، وبيان ما يصلح منها للاعتبار وبناء الأحكام عليه، وما لا يصلح لذلك نذكر مسائل فقهية لا تعدو أن تكون نظرية اجتهادية، وقد بنى الفقهاء حكمهم فيها نفيا وإثباتا على رعاية المصلحة.
ومن هذه المسائل ضرب من تترس به الكفار من أسارى المسلمين مثلا في الحرب، وشق بطن امرأة ماتت وفي بطنها ولد علم أنه حي بالأمارات، ورمي أحد ركاب سفينة خشي عليهم الغرق، فيرمى أحدهم بقرعة لينجو الباقون، وأكل مضطر من جثة إنسان ميت إنقاذا لنفسه من الهلاك، وتبييت المشركين أو رميهم بالمنجنيق ونحوه مما يعم الهلاك به وفيهم النساء والصبيان، وفيما يلي بيان أقوال فقهاء الإسلام في هذه المسائل، وما بنوه عليه من الدليل والمصلحة.