للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ولنا أن هذا الولد لا يعيش عادة، ولا يتحقق أنه يحيا، فلا يجوز هتك حرمة متيقنة لأمر موهوم، وقد قال عليه السلام: «كسر عظم الميت ككسر عظم الحي (١)». رواه أبو داود، وفيه مثلة، وقد «نهى النبي -صلى الله عليه وسلم- عن المثلة (٢)». وفارق الأصل؛ فإن حياته متيقنة، وبقاءه مظنون، فعلى هذا إن خرج بعض الولد حيا، ولم يمكن إخراجه إلا بشق، شق المحل، وأخرج لما ذكرنا. وإن مات على تلك الحال، فأمكن إخراجه، أخرج وغسل. وإن تعذر غسله ترك، وغسلت الأم، وما ظهر من الولد، وما بقي ففي حكم الباطن لا يحتاج إلى التيمم من أجله؛ لأن الجميع كان في حكم الباطن، فظهر البعض، فتعلق به الحكم، وما بقي فهو على ما كان عليه. ذكر هذا ابن عقيل. وقال: هي حادثة سئلت عنها، فأفتيت فيها.

فصل: وإن بلع الميت مالا، لم يخل من أن يكون له أو لغيره، فإن كان له لم يشق بطنه؛ لأنه استهلكه في حياته، ويحتمل أنه إن كان يسيرا ترك، وإن كثرت قيمته، شق بطنه وأخرج؛ لأن فيه حفظ المال عن الضياع، ونفع الورثة الذين تعلق حقهم بماله بمرضه. وإن كان المال لغيره، وابتلعه بإذنه، فهو كماله؛ لأن صاحبه أذن في إتلافه. وإن بلعه غصبا ففيه وجهان: أحدهما، لا يشق بطنه، ويغرم من تركته؛ لأنه إذا لم يشق من أجل الولد المرجو حياته، فمن أجل المال أولى. والثاني، يشق إن كان كثيرا؛ لأن فيه دفع الضرر عن المالك برد ماله إليه، وعن الميت بإبراء ذمته، وعن الورثة بحفظ التركة لهم. ويفارق الجنين من وجهين: أحدهما، أنه لا يتحقق حياته. والثاني، أنه ما حصل بجنايته. فعلى هذا الوجه إذا بلي جسده، وغلب على الظن ظهور المال، وتخلصه من أعضاء الميت، جاز نبشه وإخراجه. وقد روى أبو داود، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «إن هذا قبر أبي رغال، وآية ذلك أن معه غصنا من ذهب، إن أنتم نبشتم عنه أصبتموه معه (٣)» فابتدره الناس، فاستخرجوا الغصن. ولو كان في أذن الميت حلق، أو في أصبعه خاتم أخذ، فإن صعب أخذه، برد وأخذ؛ لأن تركه تضييع للمال. اهـ

وقال المرداوي في الإنصاف: قوله (وإن ماتت حامل لم يشق بطنها) وهذا المذهب نص عليه، وعليه أكثر الأصحاب، قال الزركشي: هذا المنصوص، وعليه الأصحاب. وقوله (ويحتمل أن يشق بطنها إذا غلب على الظن أنه يحيا)، وهو وجه في ابن تميم وغيره. فعلى المذهب (تسطو عليه القوابل فيخرجنه) إذا احتمل حياته، على الصحيح من المذهب، وقال القاضي في الخلاف: إن لم يوجد أمارات الظهور بانتفاخ المخارج وقوة الحركة فلا تسطو القوابل.

فعلى الأول: إن تعذر إخراجه بالقوابل، فالمذهب: أنه لا يشق بطنها، قاله في المغني، والشرح، والفروع وغيرهم، وعليه أكثر الأصحاب. واختار ابن هبيرة: أنه يشق ويخرج الولد، قلت: وهو أولى فعلى المذهب: يترك ولا يدفن حتى يموت. قال في الفروع: هذا الأشهر واختاره القاضي، والمصنف، وصاحب التلخيص،


(١) سنن أبو داود الجنائز (٣٢٠٧)، سنن ابن ماجه ما جاء في الجنائز (١٦١٦)، مسند أحمد بن حنبل (٦/ ١٠٠).
(٢) صحيح البخاري المغازي (٤١٩٢)، سنن أبو داود الحدود (٤٣٦٤).
(٣) مسند أحمد بن حنبل (٢/ ٨٣)، موطأ مالك الطلاق (١٢٤٣).