للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الحق، فعلها النبي صلى الله عليه وسلم. وقال أبو الحارث: كتبت إلى أبي عبد الله أسأله، فقلت: إن بعض الناس ينكر القرعة، ويقول: هي قمار اليوم، ويقول: هي منسوخة؟ فقال أبو عبد الله: من ادعى أنها منسوخة، فقد كذب وقال الزور، القرعة سنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أقرع في ثلاثة مواضع: أقرع بين الأعبد الستة، وأقرع بين نسائه لما أراد السفر، وأقرع بين رجلين تدارآ في دابة، وهي في القرآن في موضعين.

* قلت: يريد أنه أقرع بنفسه في ثلاثة مواضع، وإلا فأحاديث القرعة أكثر، وقد تقدم ذكرها. قال: وهم يقولون إذا اقتسموا الدار والأرضين: أقرع بين القوم، فأيهم أصابته القرعة: كان له ما أصاب من ذلك، يجبر عليه.

* وقال الأثرم: إن أبا عبد الله ذكر القرعة واحتج بها، وبينها، وقال: إن قوما يقولون: القرعة قمار، ثم قال أبو عبد الله: هؤلاء قوم جهلوا فيها عن النبي -صلى الله عليه وسلم- خمس سنن. قال الأثرم: وذكرت له أنا حديث الزبير في الكفن، فقال: حديث أبي الزناد؟ فقلت: نعم. قال أبو عبد الله: قال أبو الزناد: يتكلمون في القرعة وقد ذكرها الله تعالى في موضعين من كتابه. وقال حنبل: سمعت أبا عبد الله قال في قوله تعالى: {فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ} (١) أي أقرع، فوقعت القرعة عليه. قال: وسمعت أبا عبد الله يقول: القرعة حكم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وقضاؤه، فمن رد القرعة فقد رد على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قضاءه وفعله، ثم قال: سبحان الله لمن قد علم بقضاء النبي -صلى الله عليه وسلم- ويفتي بخلافه، قال الله تعالى: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} (٢) وقال: {وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ} (٣) قال حنبل: وقال عبد الله بن الزبير الحميدي: من قال بغير القرعة فقد خالف رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في سنته التي قضى بها وقضى بها أصحابه بعده. وقال في رواية الميموني: في القرعة خمس سنن، حديث أم سلمة: «إن قوما أتوا النبي -صلى الله عليه وسلم- في مواريث وأشياء درست بينهم، فأقرع بينهم (٤)»، وحديث أبي هريرة - حين تدارآ في دابة - فأقرع بينهما، وحديث الأعبد الستة، وحديث أقرع بين نسائه، وحديث علي. وقد ذكر أبو عبد الله من فعلها بعد النبي -صلى الله عليه وسلم- فذكر ابن الزبير، وابن المسيب، ثم تعجب من أصحاب الرأي وما يردون من ذلك.

* قال الميموني: وقال لي أبو عبيد القاسم بن سلام - وذاكرني أمر القرعة - فقال: أرى أنها من أمر النبوة، وذكر قوله تعالى: {إِذْ يُلْقُونَ أَقْلَامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ} (٥) وقوله: فساهم.

* وقال أحمد في رواية الفضل بن عبد الصمد: القرعة في كتاب الله، والذين يقولون: القرعة قمار قوم جهال، ثم ذكر أنها في السنة، وكذلك قال في رواية ابنه صالح: أقرع النبي -صلى الله عليه وسلم- في خمسة مواضع، وهي في القرآن في موضعين.


(١) سورة الصافات الآية ١٤١
(٢) سورة الحشر الآية ٧
(٣) سورة المائدة الآية ٩٢
(٤) صحيح البخاري المظالم والغصب (٢٤٥٨)، صحيح مسلم الأقضية (١٧١٣)، سنن الترمذي الأحكام (١٣٣٩)، سنن النسائي كتاب آداب القضاة (٥٤٢٢)، سنن أبو داود الأقضية (٣٥٨٣)، سنن ابن ماجه الأحكام (٢٣١٧)، مسند أحمد بن حنبل (٦/ ٣٢٠)، موطأ مالك الأقضية (١٤٢٤).
(٥) سورة آل عمران الآية ٤٤