ثالثا: فناء الطلب في الوجود فيصير واجدا بعد أن كان طالبا وعندئذ لا يبقى لصاحب هذا الفناء طلب؛ لأنه ظفر بالمطلوب المشاهد، وقد مثل ابن القيم لهذه الأنواع في جانب الحب ما خلاصته:
أنه يفنى أولا بمحبوبه وصفات محبوبه عن نفسه فإذا رأى محبوبه كان الأمر في حقه أشد وعندئذ يغيب عن صفات المحبوب بمشاهدته إياه فإذا ظفر به غاب عن هذه المشاهدة إلى حال المقام معه وأصدق مثل على ذلك ما كان من حال النسوة عندما شاهدوا يوسف ولم يكونوا رأوه من قبل قطعن أيديهن عندما سلبتهن النظرة إليه شعورهن وهو مقام الفناء وأما امرأة العزيز فلم يؤثر ذلك فيها لألفها لمشاهدته ورؤيته فمقامها البقاء لا الفناء ويظهر فناء النسوة من جهتين:
الأولى: ذهولهن عن تقطيع الأيدي.
الثاني: ذهولهن عن إحساسهن بألم القطع.
ومن هنا يظهر لنا سر احتجاب الله عن عباده في الدنيا حيث إنهم لا يحتملون ذلك.
الدرجة الثانية: فناء شهود الطلب لإسقاطه فاشتغلوا بربهم عما يعملونه وعما يجري لهم من الأحوال.
الدرجة الثالثة: الفناء عن شهود الفناء والفرق بين هذه والتي قبلها أنه في الدرجتين الأولى والثانية شاعر بفنائه وفي هذه الدرجة فهو يفنى عن فنائه فلا يشعر به، وإذا وصل إلى هذه الدرجة فإن السالك يرجي له بقاء الحال واستمرارها. وقد انتقد ابن القيم وابن تيمية هذا المسلك من مسالك الصوفية بعدة وجوه:(١).
(١) انظر مدارج السالكين (٣/ ٣٦٨، ٣٨٣) شذرات البلاتين (١/ ٢٤٦ وما بعدها).