للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ومنهم من يدعي أن الحاجة للنبي صلى الله عليه وسلم هو في علم الظاهر دون الباطن أو في علم الشريعة دون الحقيقة (١) وهم يصفون أنفسهم بأنهم ذووا الحقائق ويصفون العلماء بذوي الشرائع أو بأنهم أصحاب الباطن والعلماء أصحاب الظاهر. وبناء على ذلك فطريقهم هو الأفضل والأكمل من طريق الفقهاء والعلماء، وإن مما علم من الدين بالضرورة أن حقيقة ما في قلوب العباد لا يعلمه إلا الله وادعاء الكمال فيه تزكية قد نهى الله عنها بقوله: {فَلَا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى} (٢).

كما أن الأعمال الظاهرة مطلوبة شرعا كالأعمال الباطنة سواء بسواء

فإن الإيمان عند أهل السنة والجماعة (السلف الصالح) قول باللسان واعتقاد بالقلب وعمل بالجوارح، وقد أشار النبي صلى الله عليه وسلم إلى ذلك الارتباط بقوله: «إن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب (٣)» وقال صلى الله عليه وسلم: «الإيمان بضع وسبعون شعبة أعلاها شهادة لا إله إلا الله وأدناها إماطة الأذى عن الطريق (٤)». ولا يدخل العبد في الإسلام إلا بالنطق بالشهادتين مع الإيمان بالقلب ويدل عليه قول النبي صلى الله عليه وسلم لمعاذ «فليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة أن لا إله إلا الله (٥)». ولما قتل أسامة بن زيد رجلا بعدما نطق بالشهادة قال له صلى الله عليه وسلم: «أشققت عن قلبه (٦)» وقال صلى الله عليه وسلم عن الصلاة: «العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر (٧)» وقال عن تصديق الكاهن: «من أتى عرافا أو كاهنا فصدقه فيما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم (٨)» كلها أعمال ظاهرة مما يدل على أن العلم بما جاء به الرسول أمر قد علم وجوبه بالضرورة من دين الإسلام كما قال سبحانه:


(١) الفرقان لابن تيمية ص (٧٣، ٧٤) - انظر مدارج السالكين (٢/ ٣٧٢).
(٢) سورة النجم الآية ٣٢
(٣) صحيح البخاري الإيمان (٥٢)، صحيح مسلم المساقاة (١٥٩٩)، سنن الترمذي البيوع (١٢٠٥)، سنن النسائي البيوع (٤٤٥٣)، سنن أبو داود البيوع (٣٣٢٩)، سنن ابن ماجه الفتن (٣٩٨٤)، مسند أحمد بن حنبل (٤/ ٢٧٠)، سنن الدارمي البيوع (٢٥٣١).
(٤) صحيح البخاري الإيمان (٩)، صحيح مسلم كتاب الإيمان (٣٥)، سنن الترمذي الإيمان (٢٦١٤)، سنن النسائي الإيمان وشرائعه (٥٠٠٥)، سنن أبو داود السنة (٤٦٧٦)، سنن ابن ماجه المقدمة (٥٧)، مسند أحمد بن حنبل (٢/ ٣٧٩).
(٥) صحيح البخاري الزكاة (١٤٥٨)، صحيح مسلم الإيمان (١٩)، سنن الترمذي الزكاة (٦٢٥)، سنن النسائي الزكاة (٢٤٣٥)، سنن أبو داود الزكاة (١٥٨٤)، سنن ابن ماجه الزكاة (١٧٨٣)، مسند أحمد بن حنبل (١/ ٢٣٣)، سنن الدارمي الزكاة (١٦١٤).
(٦) سنن ابن ماجه المقدمة (١٩٩)، مسند أحمد بن حنبل (٤/ ١٨٢).
(٧) سنن الترمذي الإيمان (٢٦٢١)، سنن النسائي الصلاة (٤٦٣)، سنن ابن ماجه إقامة الصلاة والسنة فيها (١٠٧٩)، مسند أحمد بن حنبل (٥/ ٣٤٦).
(٨) سنن الترمذي الطهارة (١٣٥)، سنن أبو داود الطب (٣٩٠٤)، سنن ابن ماجه الطهارة وسننها (٦٣٩)، مسند أحمد بن حنبل (٢/ ٤٧٦)، سنن الدارمي الطهارة (١١٣٦).