للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

- رعاكم الله - مما لا يجوز مطلقا؟ ولو كان الحكيم مسلما ولم يستتبع الكشف على الميت أدنى عملية جراحية أو ما يوجب أقل إهانة لكرامة الميت، ولو مع تخصيص حكيم لمباشرة الرجل وحكيمة لمباشرة المرأة، أو يسوغ مطلقا، أم المقام فيه تفصيل، أفيدونا تؤجروا وترحموا؟

ج: ليس في هذه المسألة نص عن الشارع، وهي من المسائل الدنيوية التي تتبع فيها قاعدة درء المفاسد وجلب المصالح، وحينئذ يختلف الحكم باختلاف الأموات، فإذا وقع الشك في موت من ظهرت عليه علامات الموتى، وعلم أن الطبيب يمكنه أن يعرف الحقيقة بالكشف عليه، فإن الكشف عليه يكون متعينا ويحرم دفنه مع بقاء الشك في موته وإبقائه عرضة للخطر، ويختار الطبيب الذي يوثق به للعلم ببراعته وأمانته على غيره؛ لأن العبرة في ذلك بالثقة، فإذا لم يوجد طبيب مسلم يوثق به ووجد غيره اعتمد عليه، بل إذا وجد طبيب مسلم غير موثوق به وطبيب غير مسلم موثوق به بتكرار التجربة يرجح الاعتماد على الثاني؛ لأن المسألة ليست عبادة فيكون الترجيح فيها بالدين، بل أقول: إن من اشترط من الفقهاء إسلام الطبيب الذي يؤخذ بقوله في المرض الذي يبيح ترك الغسل والوضوء إلى التيمم ليس لاعتبار ذلك من أركان العدالة التي هي سبب الثقة. وقد صرحوا حتى في هذه المسألة الدينية بأن المريض إذا صدق الطبيب الكافر بأن الماء يؤذيه في مرضه كان له أن يعمل بقوله. وإذا كان من اشتبه في موته امرأة ووجدت طبيبة يوثق بها قدمت على الطبيب حتما، فإن لم توجد كشف عليها الطبيب كما هو الشأن في جميع الأمراض، ومن درء المفاسد والقيام بالمصالح العامة ما تفعله (مصلحة الصحة) بمصر، وحيث توجد من مقاومة أسباب الوباء والأمراض المعدية ومن أعمالهم ما هو مفيد قطعا، ومنه ما تظن فائدته، فإذا علم أن في الكشف على الميت لمعرفة سبب مرضه مصلحة عامة، لم يكن ما يعبرون عنه بتكريم الميت مانعا من ذلك، نعم إن إهانة الميت محظورة، ولكن الإهانة تكون بالقصد وهو منتف هنا، على أن درء المفاسد وحفظ المصالح العامة من الأصول التي لا تهدم بهذه الجزئيات، والمدار على العلم بأن هنا مفسدة يجب درؤها أو مصلحة يجب حفظها، فإذا علم أولو الأمر ذلك عملوا به، والشرع عون لهم عليه.

وقد سئل فضيلة الشيخ حسنين محمد مخلوف عن حكم إحراق جثث الموتى وتشريحهم فأجاب جوابا مستفيضا بين فيه المصالح التي تدعو إلى التشريح وتبرره، وفيما يلي نص السؤال والجواب.

السؤال: طلبت إحدى المصالح الحكومية بيان حكم الشريعة الغراء في إحراق جثث الموتى من المسلمين في زمن الأوبئة، وفي حالة الوصية بذلك من المتوفى.

ج: اعلم أن تطبيب الأجسام وعلاج الأمراض أمر مشروع حفظا للنوع الإنساني حتى يبقى إلى الأمد المقدر له، وقد تداوى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في نفسه وأمر به من أصابه مرض من أهله وأصحابه، وقال: «تداووا فإن الله لم يضع داء إلا وضع له شفاء (١)». وقال -عليه الصلاة والسلام- «إن الله عز وجل لم ينزل داء إلا أنزل له شفاء، علمه من علمه وجهله


(١) سنن الترمذي الطب (٢٠٣٨)، سنن أبو داود الطب (٣٨٥٥)، سنن ابن ماجه الطب (٣٤٣٦).