للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الله ذنوبه ويكون له المقبوض من ذلك قبل إسلامه وذلك يدل على أن بياعات أهل الحرب كلها ماضية إذا أسلموا بعد التقابض فيها لقوله تعالى: {فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ} (١) وقوله عز وجل {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} (٢) {فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} (٣) قال أبو بكر يحتمل ذلك معنيين:

أحدهما: إن لم تقبلوا أمر الله تعالى ولم تنقادوا له

الثاني: إن لم تذروا ما بقي من الربا بعد نزول الأمر بتركه فأذنوا بحرب من الله ورسوله، وإن اعتقدوا تحريمه، وقد روي عن ابن عباس وقتادة والربيع بن أنس فيمن أربى أن الإمام يستتيبه فإن تاب وإلا قتله، وهذا محمول على أن يفعله مستحلا له لأنه لا خلاف بين أهل العلم أنه ليس بكافر إذا اعتقد تحريمه. وقوله تعالى: {فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} (٤) لا يوجب إكفارهم لأن ذلك قد يطلق على ما دون الكفر من المعاصي، قال زيد بن أسلم عن أبيه: أن عمر رأى معاذا يبكي فقال: ما يبكيك؟ فقال: سمعت رسول صلى الله عليه وسلم يقول: «اليسير من الرياء شرك ومن عادى أولياء الله فقد بارز الله بالمحاربة (٥)». فأطلق اسم المحاربة عليه وإن لم يكفر.

وروى أسباط عن السدي عن صبيح مولى أم سلمة عن زيد بن أرقم: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعلي وفاطمة والحسن والحسين رضي الله عنهم: «أنا حرب لمن حاربتم سلم لمن سالمتم (٦)» وقال تعالى: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا} (٧).

والفقهاء متفقون على أن ذلك حكم جار في أهل الملة وأن هذه السمة تلحقهم بإظهارهم قطع الطريق، وقد دل على أنه جائز إطلاق اسم المحاربة لله ورسوله على من عظمت معصيته وفعلها مجاهرا بها وإن كانت


(١) سورة البقرة الآية ٢٧٥
(٢) سورة البقرة الآية ٢٧٨
(٣) سورة البقرة الآية ٢٧٩
(٤) سورة البقرة الآية ٢٧٩
(٥) سنن ابن ماجه كتاب الفتن (٣٩٨٩).
(٦) سنن الترمذي المناقب (٣٨٧٠)، سنن ابن ماجه المقدمة (١٤٥).
(٧) سورة المائدة الآية ٣٣