للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

دون الكفر وقوله تعالى: {فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} (١) إخبار منه بعظم معصيته وأنه يستحق بها المحاربة عليها وإن لم يكن كافرا وكان ممتنعا على الإمام، فإن لم يكن ممتنعا عاقبه الإمام بمقدار ما يستحقه من التعزير والردع.

وكذلك ينبغي أن يكون حكم سائر المعاصي التي أوعد الله عليها العقاب إذا أصر الإنسان عليها وجاهر بها، وإن كان ممتنعا حورب عليها هو ومتبعوه، وقوتلوا حتى ينتهوا، وإن كانوا غير ممتنعين عاقبهم الإمام بمقدار ما يرى من العقوبة.

وكذلك حكم من يأخذ أموال الناس من المتسلطين الظلمة، وآخذي الضرائب واجب على كل المسلمين قتالهم وقتلهم إذا كانوا ممتنعين، وهؤلاء أعظم جرما من آكلي الربا؛ لانتهاكهم حرمة النهي وحرمة المسلمين جميعا، وآكل الربا إنما انتهك حرمة الله تعالى في أخذ الربا، ولم ينتهك لمن يعطيه ذلك حرمة لأنه أعطاه بطيبة نفسه، وآخذو الضرائب في معنى قطاع الطريق المنتهكين لحرمة نهي الله تعالى وحرمة المسلمين إذ كانوا يأخذونه جبرا وقهرا لا على تأويل ولا شبهة، فجائز لمن علم من المسلمين إصرار هؤلاء على ما هم عليه من أخذ أموال الناس على وجه الضريبة أن يقتلهم كيف أمكنه قتلهم وكذلك أتباعهم وأعوانهم الذين بهم يقومون على أخذ الأموال.

وقد كان أبو بكر رضي الله عنه قاتل مانعي الزكاة لموافقة من الصحابة إياه على شيئين: أحدهما الكفر والآخر منع الزكاة، وذلك لأنهم امتنعوا من قبول فرض الزكاة ومن أدائها فانتظمها به معنيين أحدهما الامتناع من قبول أمر الله تعالى؛ وذلك كفر، والآخر الامتناع من أداء الصدقات المفروضة في أموالهم إلى الإمام، فكان قتاله إياهم للأمرين جميعا، ولذلك قال: لو منعوني عقالا، وفي بعض الأخبار عناقا مما كانوا يؤدونه إلى رسول صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم عليه. فإنما قلنا: إنهم كانوا كفارا ممتنعين من قبول فرض الزكاة لأن الصحابة سموهم أهل الردة وهذه السمة لازمة لهم إلى يومنا هذا، وكانوا سبوا نساءهم وذراريهم، ولو لم


(١) سورة البقرة الآية ٢٧٩