للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أجلا آخر، فحرم الله تعالى الربا وهو الزيادة، ولكن لما كان كما قلنا لا تظهر الزيادة إلا على مزيد عليه، ومتى قابل الشيء غير جنسه في المعاملة لم تظهر الزيادة، وإذا قابل جنسه لم تظهر الزيادة أيضا إلا بإظهار الشرع، ولأجل هذا صارت الآية مشكلة على الأكثر معلومة لمن أيده الله تعالى بالنور الأظهر وقد فاوضت فيها علماء وباحثت رفعاء فكل منهم أعطى ما عنده حتى انتظم فيها سلك المعرفة بدرره وجوهرته العليا: أن من زعم أن هذه الآية مجملة فلم يفهم مقاطع الشريعة فإن الله تعالى أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى قوم هو منهم بلغتهم، وأنزل عليهم كتابه تيسيرا منه بلسانهم، وقد كانت التجارة والبيع عندهم من المعاني المعلومة فأنزل عليهم مبينا لهم ما يلزمهم فيهما ويعقدونهما عليه فقال تعالى {لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} (١) والباطل كما بيناه في كتب الأصول هو الذي لا يفيد وقع التعبير به عن تناول المال بغير عوض في صورة العوض، والتجارة هي مقابلة الأموال بعضها ببعض وهو البيع وأنواعه في متعلقاته بالمال كالأعيان المملوكة، أو ما في معنى المال كالمنافع، وهي ثلاثة أنواع:

عين بعين: وهو بيع النقد، أو بدين مؤجل: وهو السلم، أو حال: وهو يكون في الثمن، أو على رسم الاستصناع، أو بيع عين بمنفعة وهو الإجارة.

والربا في اللغة هو الزيادة، والمراد به في الآية كل زيادة لم يقابلها عوض، فإن الزيادة ليست بحرام لعينها بدليل جواز العقد عليها على وجهه ولو كانت حراما ما صح أن يقابلها عوض ولا يرد عليها عقد كالخمر والميتة وغيرهما، وتبين أن معنى الآية: وأحل الله البيع المطلق الذي يقع فيه العوض على صحة القصد والعمل وحرم منه ما وقع على وجه الباطل، وقد كانت الجاهلية تفعله كما تقدم، فتزيد زيادة لم يقابلها عوض، وكانت تقول: إنما البيع مثل الربا أي إنما الزيادة عند حلول


(١) سورة النساء الآية ٢٩