للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أبلغك رسالة أن فلانا قتله في عقال. فأتاه أبو طالب فقال له اختر منا إحدى ثلاث: إن شئت أن تؤدي مائة من الإبل فإنك قتلت صاحبنا، وإن شئت حلف خمسون من قومك إنك لم تقتله، فإن أبيت قتلناك به، فأتى قومه فقالوا نحلف، فأتت امرأة من بني هاشم كانت تحت رجل منهم قد ولدت له فقالت يا أبا طالب أحب أن تجيز ابني هذا برجل من الخمسين ولا تصبر يمينه حيث تصبر الأيمان ففعل فأتاه رجل منهم فقال يا أبا طالب أردت خمسين رجلا أن يحلفوا مكان مائة من الإبل نصيب كل رجل بعيران فاقبلهما مني ولا تصبر يميني حيث تصبر الأيمان فقبلهما وجاء ثمانية وأربعون فحلفوا قال ابن عباس فوالذي نفسي بيده ما حال الحول ومن الثمانية والأربعين عين تطرف.

وقد أجاب الصنعاني عن الاستدلال بذلك فقال: هو إخبار عن القصة التي في حديث سهل بن أبي حثمة وقد عرفت أنه -صلى الله عليه وسلم- لم يقض بها فيه كما قررناه -سيأتي ما قرره جوابا عن الاستدلال بالدليل الثاني. ثم قال:

وقد عرفت من حديث أبي طالب أنها كانت في الجاهلية على أن يؤدي الدية القاتل لا العاقلة كما قال أبو طالب: إما أن تؤدي مائة من الإبل. فإنه ظاهر أنها من ماله لا من عاقلته، أو يحلف خمسون من قومك أو تقتل، وها هنا في قصة خيبر لم يقع شيء من ذلك فإن المدعى عليهم لم يحلفوا ولم يسلموا الدية ولم يطلب منهم الحلف، وليس هذا قدحا في رواية الراوي من الصحابة بل في استنباطه لأنه قد أفاد حديثه أنه استنبط قضاء رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بالقسامة من قصة أهل خيبر وليس في تلك القصة قضاء، وعدم صحة الاستنباط جائز على الصحابي وغيره اتفاقا وإنما روايته للحديث بلفظه أو بمعناه هي التي يتعين قبولها. اهـ.

وقد استشعر الصنعاني إيرادا على قوله. . وعدم صحة الاستنباط جائز على الصحابي وغيره اتفاقا فأجاب عنه بقوله:

وأما قول أبي الزناد: " قتلنا بالقسامة والصحابة متوفرون إني لأرى أنهم ألف رجل فما اختلف منهم اثنان.

فإنه قال في فتح الباري: " إنما نقله أبو الزناد عن خارجة بن زيد بن ثابت كما أخرجه سعيد بن منصور والبيهقي في رواية عبد الرحمن بن أبي الزناد عن أبيه، وإلا فأبو الزناد لا يثبت أنه عن عشرة من الصحابة فضلا عن ألف ".

قلت: لا يخفى أن تقريره لما رواه أبو الزناد لثبوت ما رواه عن خارجة بن زيد الفقيه الثقة وإنما دلس بقوله "قتلنا" وكأنه يريد قتل معشر المسلمين وإن لم يحضرهم.

ثم لا يخفى أن غايته بعد ثبوته عن خارجة فعل جماعة من الصحابة وليس بإجماع حتى يكون حجة، ولا شك في ثبوت فعل عمر بالقسامة وإن اختلف عنه في القتل وإنما نزاعنا في ثبوت حكمه -صلى الله عليه وسلم- بها فإنه لم يثبت (١).


(١) سبل السلام ج٣ ص٢٥٧.