رجوعه. وقد روى الحاكم من طريق حيان العدوي وهو بالمهملة والتحتانية (سألت أبا مجلز عن الصرف فقال: كان ابن عباس لا يرى به بأسا زمانا من عمره ما كان منه عينا بعين يدا بيد. وكان يقول: إنما الربا في النسيئة، فلقيه أبو سعيد فذكر القصة والحديث وفيه: «التمر بالتمر والحنطة بالحنطة والشعير بالشعير والذهب بالذهب والفضة بالفضة يدا بيد مثلا بمثل، فمن زاد فهو ربا (١)» فقال ابن عباس: أستغفر الله وأتوب إليه. فكان ينهى عنه أشد النهي).
واتفق العلماء على صحة حديث أسامة. واختلفوا في الجمع بينه وبين حديث أبي سعيد فقيل منسوخ، ولكن النسخ لا يثبت بالاحتمال، وقيل المعنى في قوله (لا ربا) الربا الأغلظ الشديد التحريم المتوعد عليه بالعقاب الشديد كما تقول العرب: لا عالم في البلد إلا زيد مع أن فيها علماء غيره. وإنما القصد نفي الأكمل لا نفي الأصل، وأيضا فنفي تحريم ربا الفضل من حديث أسامة إنما هو بالمفهوم. فيقدم عليه حديث أبي سعيد لأن دلالته بالمنطوق ويحمل حديث أسامة على الربا الأكبر كما تقدم والله أعلم.
وقال الطبري: معنى حديث أسامة لا ربا إلا في النسيئة) إذا اختلفت أنواع البيع والفضل فيه يدا بيد ربا جمعا بينه وبين حديث أبي سعيد.
(تنبيه): وقع في نسخ الصغاني هنا (قال أبو عبد الله) يعني البخاري (سمعت سليمان بن حرب يقول: لا ربا إلا في النسيئة، هذا عندنا في الذهب بالورق والحنطة بالشعير متفاضلا، ولا بأس به يدا بيد ولا خير فيه نسيئة) قلت: وهذا موافق. وفي قصة أبي سعيد مع ابن عمر ومع ابن عباس أن العالم يناظر العالم ويوقفه على معنى قوله ويرده من الاختلاف إلى الاجتماع، ويحتج عليه بالأدلة وفيه إقرار الصغير للكبير بفضل التقدم.
(١) صحيح مسلم المساقاة (١٥٨٤)، سنن النسائي البيوع (٤٥٦٥)، مسند أحمد بن حنبل (٣/ ٥٠).