للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وسلم- قال: «لو يعطى الناس بدعواهم لادعى ناس دماء رجال وأموالهم ولكن اليمين على المدعى عليه (١)». وقوله -صلى الله عليه وسلم-: «إن دماءكم وأموالكم عليكم حرام (٢)» وقوله -عليه الصلاة والسلام-: «بينتك أو يمينه ليس لك إلا ذلك (٣)».

قالوا: فقد سوى الله تعالى على لسان نبيه -عليه الصلاة والسلام- بين تحريم الدماء والأموال وبين الدعوى في الدماء والأموال، وأبطل كل ذلك ولم يجعله إلا بالبينة واليمين على المدعى عليه فوجب أن يكون الحكم في كل ذلك سواء لا يفترق في شيء أصلا لا فيمن يحلف ولا في عدد يمين، ولا في إسقاط الغرامة إلا بالبينة ولا مزيد.

وهذا كله حق إلا أنهم تركوا ما لا يجوز تركه مما فرض الله تعالى على الناس إضافته إلى ما ذكروا؛ وهو أن الذي حكم بما ذكروا - وهو المرسل إلينا من الله تعالى - هو الذي حكم بالقسامة وفرق بين حكمها وبين سائر الدماء والأموال المدعاة، ولا يحل أخذ شيء من أحكامه وترك سائرها إذ كلها من عند الله تعالى، وكلها حق، وفرض الوقوف عنده والعمل به، وليس بعض أحكامه -عليه السلام- أولى بالطاعة من بعض، ومن خالف هذا فقد دخل تحت المعصية وتحت قوله تعالى: {أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ} (٤) ولا فرق بين من ترك حديث: «بينتك أو يمينه (٥)» لحديث القسامة، وبين من ترك حديث القسامة لتلك الأحاديث (٦) ومما يوضح جواب ابن حزم -رحمه الله- ما قاله الخطابي -رحمه الله- قال: هذا حكم خاص جاءت به السنة لا يقاس على سائر الأحكام وللشريعة أن تخص، كما لها أن تعم ولها أن تخالف بين سائر الأحكام المتشابهة في الصفة، كما لها أن توفق بينها ولها نظائر كثيرة في الأصول (٧).

وجاء معنى ذلك عن ابن المنذر (٨) وابن حجر (٩).

وقد أورد ابن حزم -رحمه الله- اعتراضا على جوابه وأجاب عنه فقال: فإن قالوا: الدماء حدود ولا يمين في الحدود.

قيل لهم: ما هي الحدود؟ لأن الحدود ليست بموكولة إلى اختيار أحد إن شاء أقامها وإن شاء عطلها بل هي واجبة لله تعالى وحده، لا خيار فيها لأحد ولا حكم، وأما الدماء فهي موكولة إلى اختيار الولي إن شاء استقاد وإن شاء عفا، فبطل أن تكون من الحدود وصح أنها من حقوق الناس، وفسد قول من فرق بينهما وبين حقوق الناس من أموال وغيرها إلا حيث فرق الله تعالى ورسوله بين الدماء والحقوق وغيرها وليس ذلك إلا حيث القسامة فقط (١٠).


(١) صحيح البخاري تفسير القرآن (٤٥٥٢)، صحيح مسلم الأقضية (١٧١١)، سنن الترمذي الأحكام (١٣٤٢)، سنن النسائي آداب القضاة (٥٤٢٥)، سنن أبو داود الأقضية (٣٦١٩)، سنن ابن ماجه الأحكام (٢٣٢١)، مسند أحمد بن حنبل (١/ ٢٨٨).
(٢) صحيح البخاري الحج (١٧٨٥)، صحيح مسلم كتاب الحج (١٢١٨)، سنن الترمذي الحج (٨٥٦)، سنن النسائي مناسك الحج (٢٧٦٣)، سنن أبو داود كتاب المناسك (١٩٠٥)، سنن ابن ماجه المناسك (٣٠٧٤)، مسند أحمد بن حنبل (٣/ ٣٢١)، موطأ مالك الحج (٨٣٦)، سنن الدارمي كتاب المناسك (١٨٥٠).
(٣) صحيح مسلم الإيمان (١٣٩)، سنن الترمذي الأحكام (١٣٤٠)، سنن أبو داود الأيمان والنذور (٣٢٤٥)، مسند أحمد بن حنبل (٤/ ٣١٧).
(٤) سورة البقرة الآية ٨٥
(٥) صحيح البخاري تفسير القرآن (٤٥٥٠).
(٦) المحلى ج١١ ص٧٧.
(٧) معالم السنن ج٦ ص٣١٥.
(٨) الجامع لأحكام القرآن ج١ ص٤٥٨.
(٩) فتح الباري ج١٢ ص١٩٧.
(١٠) المحلى ج١١ ص٧٧.