للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فقال: ما تقول يا أبا قلابة؟ ونصبني للناس. فقلت: يا أمير المؤمنين عندك أشراف العرب ورؤساء الأجناد، أرأيت لو أن خمسين رجلا شهدوا على رجل أنه زنى بدمشق ولم يروه أكنت ترجمه؟ قال: لا.

قلت: أفرأيت لو أن خمسين رجلا شهدوا عندك على رجل أنه سرق بحمص ولم يروه أكنت تقطعه؟

قال: لا، وفي بعض الروايات قلت: فما بالهم إذا شهدوا أنه قتله بأرض كذا وهم عندك أخذت بشهادتهم؟ قال: فكتب عمر بن عبد العزيز في القسامة: أنهم إذا أقاموا شاهدي عدل أن فلانا قتله، ولا يقتل بشهادة الخمسين الذين أقسموا. قالوا: ومنها أن الأصول أن الأيمان ليس لها تأثير في إشاطة الدماء. ومنها أن من الأصول أن البينة على من ادعى واليمين على من أنكر (١).

والجواب عن هذا الدليل من وجوه:

أحدها: بأن التعليق في عدم اعتبار القسامة بأنها من قبيل الحلف على ما لا يعلمه الحالف وهو غير مشروع قد أجيب عنه بما يلي:

قال الإمام الشافعي: " واحتج -أي القائل بهذا - بأن قال أحلفتهم على ما لا يعلمون؟ قلت: فقد يعلمون بظاهر الأخبار ممن يصدقون ولا تقبل شهادتهم، وإقرار القاتل عندهم بلا بينة ولا يحكم بادعائهم عليه الإقرار وغير ذلك، قال: العلم ما رأوا بأعينهم أو سمعوا بآذانهم قلت: ولا علم ثالث؟ قال: لا، قلت فإذا اشترى ابن خمس عشرة سنة عبدا ولد بالمشرق منذ خمسين ومائة سنة ثم باعه فادعى على الذي ابتاعه أنه كان آبقا فكيف تحلفه؟ قال: على البينة، قلت: يقول لك: تظلمني؛ فإن هذا ولد قبلي وببلد غير بلدي وتحلفني على البينة وأنت تعلم أني لا أحيط بأن لم يأبق قط علما، قال: يسأل، قلت: يقول لك فأنت تحلفني على ما تعلم أني لا أبر فيه. قال: وإذ سئلت فقد وسعك أن يحلف، قلت: أفرجل قتل أبوه فغبي من ساعته فسأل أولى أن يعلم؟ قال: نعم؛ قال بعض من حضره بل من قتل أبوه، فقلت فقد عبت يمينه على القسامة ونحن لا نأمره أن يحلف إلا بعد العلم، والعلم يمكنه والقسامة سنة عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وقلت برأيك يحلف على العبد الذي وصفت ". اهـ (٢).

وقال الشافعي أيضا: وإذا وجبت القسامة فلأهل القتيل أن يقسموا وإن كانوا غيبا عن موضع القتيل لأنه قد يمكن أن يعلموا باعتراف القتيل أو بينة تقوم عندهم لا يقبل الحاكم منهم ومن غيرهم غير ذلك من وجوه العلم التي لا تكون شهادة بقطع، وينبغي للحاكم أن يقول: اتقوا الله ولا تحلفوا إلا بعد الاستثبات ويقبل أيمانهم متى حلفوا. اهـ (٣).


(١) بداية المجتهد ج٢ ص٤٢٧ - ٤٢٨.
(٢) اختلاف الحديث بهامش ج٧ من الأم ص٣٥٦ - ٣٥٧ وفي مختصر المزني ص١٤٩ بهامش الأم ج٥ هذا الجواب بإيجاز.
(٣) الأم ج٦ ص٧٩.