للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رابعها: ويمكن أن يقال إن قولهم " الأيمان ليس لها تأثير في إشاطة الدماء " غير صحيح؛ لأن المشرع هو الله جل وعلا في كتابه وعلى لسان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وطرق الإثبات في الشريعة كثيرة متنوعة وكل طريق منها أصل بنفسه، والمشرع هو الذي جعله أصلا، فلا يصح أن تعارض هذه الأصول بعضها ببعض بل كل أصل منها يعمل في موضعه، ومن ذلك القسامة؛ الثابتة في قوله -صلى الله عليه وسلم-: «يقسم خمسون منكم على رجل منهم فيدفع إليكم برمته (١)» وفي رواية مسلم " فيسلم إليكم".

خامسها: قولهم البينة على المدعي واليمين على من أنكر قد سبق الجواب عنه في معرض الإجابة عن الدليل الأول من أدلة القائلين بعدم العمل بالقسامة.

قال المانعون من العمل بالقسامة: ومما يؤيد دليل الاستصحاب أن ما ورد من الأحاديث في الحكم بالقسامة ليس نصا في ذلك، بل هي محتملة يتطرق إليها التأويل، فلم تنهض لمقاومة الاستصحاب، فوجب تأويلها لتتفق مع الأصول الأخرى.

قال ابن رشد: ومن حجتهم أنهم لم يروا في تلك الأحاديث أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حكم بالقسامة، وإنما كانت حكما جاهليا، فتلطف لهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ليريهم كيف لا يلزم الحكم بها على أصول الإسلام.

ولذلك قال لهم: " أتحلفون خمسين يمينا " أعني لولاة الدم، وهم الأنصار، قالوا: كيف نحلف ولم نشاهد؟ قال: " فيحلف لكم اليهود " قالوا: كيف نقبل أيمان قوم كفار؟

قالوا: فلو كانت السنة أن يحلفوا وإن لم يشاهدوا لقال لهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- هي السنة.

قالوا: وإذا كانت هذه الآثار غير نص في القضاء بالقسامة، والتأويل يتطرق إليها فصرفها بالتأويل إلى الأصول أولى (٢).

* * *

وأما الأثر فمن ذلك:

ما قال البخاري في صحيحه، قال ابن أبي مليكة: لم يقد بها معاوية.


(١) صحيح البخاري الأحكام (٧١٩٢)، صحيح مسلم القسامة والمحاربين والقصاص والديات (١٦٦٩)، سنن الترمذي الديات (١٤٢٢)، سنن النسائي القسامة (٤٧١٣)، سنن أبو داود الديات (٤٥٢٠)، سنن ابن ماجه الديات (٢٦٧٧)، مسند أحمد بن حنبل (٤/ ٣)، موطأ مالك القسامة (١٦٣٠)، سنن الدارمي الديات (٢٣٥٣).
(٢) بداية المجتهد ج٢ ص٤٢٠.