وبعض الباحثين يعطي النص المنقول في اختصاصه عناية زائدة في التوثيق، فاللغوي إذا نقل نصا من لسان العرب مثلا، فلا يكتفي بذكر الجزء والصفحة، بل يضيف ذكر المادة التي ورد فيها النص في ذلك الكتاب، وقد يرى ذلك لزاما عليه، لمعرفته بترتيب الكتاب على المواد اللغوية لا الموضوعات.
وإذا نقل دارس التاريخ خبرا من تاريخ الطبري مثلا، فإنه يرى إضافة ذكر السنة التي جاء الخبر فيها - إلى جانب ذكر رقم الجزء والصفحة - من مقتضيات التوثيق التي ينبغي أن لا يغفل عنها، وذلك لعلمه أن إيراد الأحداث التاريخية في ذلك الكتاب مرتب على السنوات، لا الموضوعات ولا الدول.
وكذلك الباحث في علم التفسير، إذا ما استشهد بنص من تفسير الفخر الرازي مثلا، فإنه يرى من لوازم توثيقه للنص أن يذكر اسم السورة ورقم الآية التي جاء النص في سياق تفسيرها في ذلك الكتاب. وقل هذا في جميع المصنفات التي لها ميزة خاصة في ترتيب أبوابها وموادها.
وما شعر أولئك بلزوم ذلك عليهم إلا لدراية كل مختص منهم بترتيب تلك الكتب، وتعدد طبعاتها، وإن هذا التوثيق الزائد يجعل الرجوع للتثبت من النص المنقول أمرا ميسورا، لكل قارئ يستطيع الوصول إلى نسخة من الكتاب المحال عليه، ولو اختلفت طبعته، كما أنه لا يكلف المؤلف جهدا يذكر أمام التعب الذي كان سيلحق القارئ من عدم هذا التوثيق.
وقد استحسن كثير من الباحثين هذه الطريقة فاستعملوها في توثيق نقولاتهم. فتجد غير - اللغوي - يحيل على معجم لغوي بذكر المادة، غير مقتصر على ذكر الجزء والصفحة. وتجد غير المؤرخ يذكر السنة التي ورد فيها النص المنقول عندما يحيل على كتاب تاريخ قديم.