للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وفي نظري أن الحكمة في المنع من الطلاق في الحيض تتضمن كل ما تقدم، فالإسلام نهى عن ذلك لحكمة عظيمة، ومصلحة شرعية لها مكانتها، تلك هي المحافظة على الأسرة ومراعاة جانب المرأة وحمايتها، أما المحافظة على الأسرة:

فلأن الطهر زمان رغبة الرجل في المرأة لا سيما في الطهر الذي لم يجامعها فيه؛ لأن الطلاق أيضا في الطهر المجامع فيه غير مشروع، وإذا كانت المرأة في حال طهر لم تجامع فيه كان الزوج على حال كمال في الرغبة بها، والرجل لا يطلق امرأته في زمان كمال الرغبة إلا لشدة الحاجة إلى الطلاق فيكون الطلاق واقعا للحاجة، ومثل هذا المطلق لا يلحقه الندم ولا يكون طلاق ضررا بخلاف زمان الحيض، فإن الطبيعة تنفر فيه عن المرأة، كذلك الأمر بالنسبة لما بعد الجماع فإن الرجل تضعف رغبته في زوجته، فقد يتسرع إلى إيقاع الطلاق دون حاجة حقيقية لإيقاعه.

وأما مراعاة جانب المرأة فإنها لو طلقت حائضا لطالت عدتها، فتعاني مزيدا من الانتظار والتربص، فتكون في تلك المدة كالمعلقة لا مطلقة ولا ذات زوج ولا فارغة من زوج، وقد نهى الشارع عن الإضرار بالمرأة قال تعالى {وَلَا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِتَعْتَدُوا وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ} (١) وهكذا نجد أن الإسلام قد منع من الطلاق في الحيض لما يترتب عليه من الضرر والإضرار، ولما يترتب على المنع منه من مصلحة ظاهرة للزوجين بل للأسرة جميعا، فلله الحمد على ذلك وله الحكمة البالغة في أمره ونهيه وقضائه وحكمه، {وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ} (٢).


(١) سورة البقرة الآية ٢٣١
(٢) سورة المائدة الآية ٥٠