للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وفي الحديث: أن رجلا وجد بين وادعة وأرحب وكان إلى وادعة أقرب فقضى عليهم عمر -رضي الله عنه- بالقسامة والدية، فقال الحارث بن الأصبغ الوادعي: يا أمير المؤمنين، لا أيماننا تدفع عن أموالنا، ولا أموالنا تدفع عن أيماننا، فقال: حقنتم دماءكم بأيمانكم، وأغرمتم الدية لوجود القتيل بين أظهركم.

فهذه الآثار تدل على ثبوت حكم القسامة والدية في القتيل الموجود في المحلة على أهلها، ونوع من المعنى يدل عليه أيضا؛ وهو أن الظاهر أن القاتل منهم؛ لأن الإنسان قلما يأتي من محلة إلى محلة ليقتل مختارا فيها، وإنما تمكن القاتل منهم من هذا الفعل بقوتهم ونصرتهم، فكانوا كالعاقلة، فأوجب الشرع الدية عليهم صيانة لدم المقتول عن الهدر، وأوجب القسامة عليهم لرجاء أن يظهر القاتل بهذه الطريق فيتخلص غير الجاني إذا ظهر الجاني، ولهذا يستحلفون بالله ما قتلناه ولا علمنا له قاتلا، ثم على أهل كل محلة حفظ محلتهم عن مثل هذه الفتنة؛ لأن التدبير في محلتهم إليهم، فإنما وقعت هذه الحادثة لتفريط كان منهم في الحفظ حين تغافلوا عن الأخذ على أيدي السفهاء منهم ومن غيرهم، فأوجب الشرع القسامة والدية عليهم لذلك، ووجوب القسامة والدية على أهل المحلة مذهب علمائنا. اهـ (١).

٢ - قال الأبي "ع": الصورة السابعة: القتيل يوجد بمحلة قوم أو قبيلتهم أو مسجدهم، فقال مالك والشافعي: دمه هدر؛ لأنه قد يقتل الرجل الرجل ويلقيه في محلة قوم ليلطخهم به، قال الشافعي: إلا أن يكون مثل قضية الأنصار الذي حكم فيها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- للعداوة الظاهرة بين الأنصار واليهود، وخيبر مختصة باليهود ليس فيها غيرهم، وخرج عبد الله بعد العصر فوجد مقتولا قبل الليل، وقال أحمد نحوه، وتأوله النسائي على مذهب مالك.

وذهب أبو حنيفة ومعظم الكوفيين إلى أن للقتيل يوجد في القرية والمحلة: القسامة، ولا سبب عندهم من الوجوه السبعة للقسامة سواه؛ لأنها الصورة التي حكم فيها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فيحلف خمسون رجلا خمسين يمينا ويستحقون الدية على ما تقدم من مذهبهم في العمل بها، وذلك إذا وجد القتيل وبه أثر، وإلا فلا قسامة فيه، وإن وجد القتيل في مسجد أهل المحلة فالدية في بيت المال إذا ادعوا بذلك على أهل المحلة.

وقال الأوزاعي: وجود القتيل في المحلة يوجب القسامة وإن لم يكن فيه أثر على ما تقدم من مذهب، وقال داود: لا قسامة إلا في العمد دون الخطأ على أهل القرية الكبيرة والمدينة وهم أعداء المقتول، قلت: في المدونة: وإن وجد قتيل في قرية قوم أو دارهم لا يدرى من قتله فدمه هدر، ولا دية في بيت المال ولا في غيره.

ابن يونس: يريد إن لم يوجد معه أحد، وإن وجد معه رجل عليه أثر قتله قتل به مع القسامة، ابن رشد: ولو وقع مثل قضية الأنصاري في زماننا الواجب الحكم به، ولم يصح أن يتعدى إلى غيره (٢) وقال ابن حزم: واعترض المالكيون ومن لا يرى القسامة في هذا بأن قالوا: والقتيل قد يقتل ثم يحمله قاتله فيلقيه على باب إنسان، أو في دار قوم.

فجوابنا -وبالله تعالى التوفيق-: أن هذا ممكن ولكن لا يعترض على حكم الله تعالى، وحكم رسول الله -عليه السلام- بأنه يمكن أمر كذا، وبيقين يدري كل مسلم أنه قد يمكن أن يكذب الشاهد، ويكذب الحالف، ويكذب المدعي


(١) دل المبسوط ج٢٦ ص١٠٦ - ١٠٨ مطبعة السعادة بجوار محافظة مصر.
(٢) إكمال إكمال المعلم ج٤ ص٤٠١ - ٤٠٢ ويرجع أيضا إلى المنتقى ج٧ ص٥٢ ج٧/ ١١٤.