كتاب مجلة البحوث الإسلامية

مصطلحات الحنابلة (مصطلحات الإمام أحمد رحمه الله تعالى) - تمهيد - ج: 42 - ص: 328

فكان الإمام أحمد يحارب هذا المسلك الشائن المهزوم محاربة شعواء، وينابذه ويطارده في كل مكان.

يقول: تركنا أصحاب الرأي، وكان عندهم حديث كثير. فلم نكتب عنهم؛ لأنهم معاندون للحديث، لا يفلح منهم أحد (١).

وحين قال له رجل: أكتب كتب الرأي. قال: لا تفعل، عليك بالآثار والحديث. فقال له السائل: إن عبد الله بن المبارك قد كتبها. قال له: ابن المبارك لم ينزل من السماء، إنما أمرنا أن نأخذ العلم من فوق (٢).

وهذا هو منهج السلف الصالح وخيار الأمة، يقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه: إياكم وأصحاب الرأي، فإنهم أعداء السنن. أعيتهم الأحاديث أن يحفظوها، فقالوا بالرأي فضلوا وأضلوا (٣).

وإلى جانب ذلك: فإنه كان يخشى الخطأ في الأحكام، وانصراف الناس عن حفظ السنن، كما يؤثر الابتعاد عن أسباب الشهرة وارتفاع الصيت (٤).

بل بلغ به شدة التوقي من غوائله أنه كان ينهى تلاميذه حتى عن كتابة رأيه وفتاويه، ولما أحس يوما بإنسان يكتب ومعه ألواح في كمه، قال له: لا تكتب رأيي؛ لعلي أقول الساعة مسألة ثم أرجع غدا عنها (٥).

وهذه طريقة سار عليها المتقدمون من أئمة السنة، لا يرون كتابة المسائل ولا الكلام، إنما كانوا يحفظون السنن والآثار، ويجمعون الأخبار

---

(١) رواية ابن هانئ (المسائل) ٢/ ١٦٨، ٢٣٦).
(٢) رواية المستملي، ابن أبي يعلى في " طبقات الحنابلة " (١/ ٣٢٩).
(٣) أخرجه الخطيب البغدادي في (الفقيه والمتفقه) (١/ ١٨٠)، وابن حزم في الأحكام) (٢/ ١٠١٩).
(٤) ينظر: صالح بن أحمد بن حنبل، (المسائل) (١/ ١٤١).
(٥) رواية أحمد بن حسان بن أبي يعلى (طبقات الحنابلة) (١/ ٣٩).