للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ويفتون بها. فمن نقل عنهم العلم والفقه، كان رواية يتلقاها عنهم، ودراية يتفهمها منهم (١) فلم يحولوا بين الناس وبين مصادر الشرع، ولم يقفوا أمام الأخذ منها مباشرة ولم يصرفوا قط أحدا عنها أو يغروه بغيرها، أو يمارسوا جبروتا مذهبيا. حتى لا تتزعزع الثقة به، وحتى لا يفقد الفقه انتماءه الأصيل، ولا ينخفت بريقه ولا ينعطف عن قصده، ولا تنقطع صلته بأصله، ويتحول إلى قوانين جامدة ونظم معزولة عن مصدرها الرباني. وهذا من شأنه أن يحفظ قوتها، ويذكر الناس بمشرعها، ويدفعهم إلى الالتزام بها والحرص عليها ويشعرهم بأهميتها وصلتها المتينة بالدين.

غير أنه وقد قطع الإمام أحمد شوطا ممدودا في الاجتهاد، واطمأن إلى ثبوت تلك الحقائق ورسوخها في نفوس طلابه. ورأى من أصحابه وتلاميذه الإلحاح الشديد في كتابة مسائله وفتاواه وحاجة الناس إلى ذلك فقد أذن على كره واستجاب لهم على مضض.

يقول الميموني سألت أبا عبد الله عن مسائل فكتبتها، فقال إيش تكتب يا أبا الحسن!. فلولا الحياء منك ما تركتك تكتبها، وإنه علي لشديد والحديث أحب إلي منها. فقلت: إنما تطيب نفسي في الحمل عنك، وإنك تعلم منذ مضى رسول الله صلى الله عليه وسلم قد لزم أصحابه قوم، ثم لم يزل يكون للرجل أصحاب يلزمونه ويكتبون. قال: من كتب؟ قلت: أبو هريرة قال: وكان عبد الله بن عمرو يكتب ولم أكتب. فحفظ وضيعت! فقال لي: هذا الحديث. فقلت له: فما المسائل إلا حديث، ومن الحديث تشتق، قال لي: أعلم أن الحديث نفسه لم يكتبه القوم.


(١) ينظر ابن سعد (الطبقات الكبرى) (٢/ ٣٦١، ٦/ ٢٧١)، وابن أبي يعلى (طبقات الحنابلة) (١/ ٦).