للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الأنصار واليهود في خيبر، وتقدم النقل عنهم في هذه الصورة مستوفيا أدلتهم من السنة والآثار، ومما تقدم يتبين أن أبا حنيفة -رحمه الله- يرى أن الدعوى في القتل تكون على مبهم، فتركنا إعادة ذلك النقل اكتفاء بما سبق ذكره، ومعلوم أن هذا الرأي يخالف قوله -صلى الله عليه وسلم-: «يقسم خمسون منكم على رجل منهم (١)».

وأما المذاهب الثلاثة ففيما يلي تفصيل أقوالهم، وما استدلوا إليه، ومعلوم أن الأصل في هذا الباب هو قصة خيبر، وقد جاء في بعض الروايات الصحيحة «يقسم خمسون منكم على رجل منهم فيدفع برمته (٢)».

١ - قال مالك: " وإذا كانت القسامة لم تكن إلا على رجل واحد ولم يقتل غيره ولم نعلم قسامة كانت قط إلا على رجل واحد، قال الباجي: هذا قول مالك وأكثر أصحابه، وقال أشهب: إن شاءوا أقسموا على واحد أو على اثنين أو على جميعهم، ثم لا يقتلون إلا واحدا ممن أدخلوه في القسامة، كان ذلك لقول الميت: دمي عند فلان، أو فلان، أو لشهادة شاهد على القتل، أو شاهدين على الضرب ثم عاش أياما.

وجه قول مالك: أنه لا يقتل في القسامة إلا واحد، فلا معنى للقسامة على غيره. ووجه قول أشهب: أن القتيل إذا ادعى قتل جماعة له فيجب أن تكون القسامة على قدر ذلك؛ لأن الأيمان لا تكون إلا موافقة للدعوى (٣) وقال الباجي في الكلام على من يستحق القتل بالقسامة، قال: وإذا قلنا لا يقتل إلا واحد فهل يقسم على واحد أو على جماعة؟ ففي المجموعة من رواية ابن القاسم عن مالك: لا يقسم إلا على واحد، سواء ثبتت القسامة بدعوى الميت أو بلوث، أو بينة على القتل، أو بينة على الضرب ثم عاش أياما، وقال أشهب: إن شاءوا أقسموا على واحد أو على اثنين أو على أكثر أو على جميعهم، ثم لا يقتلون إلا واحدا ممن أدخلوه في قسامتهم، وجه القول الأول أن القسامة فائدتها القصاص من المدعى عليه القتل، فلا معنى للقسامة على من لا يقتل، ولا تؤثر فيه القسامة حكما.

ووجه القول الثاني أن القسامة إنما هي على قدر الدعوى محققة لها، ولا يجوز أن يكون في بعضه، فإذا وجب لهم القصاص بالقسامة المطابقة لدعواهم كان لهم حينئذ تعيين من يقتص منه؛ لأن القسامة قد تناولته.

وقال سحنون فيما جاء في القسامة على الجماعة في العموم قال: قلت أرأيت إن ادعوا الدم على جماعة رجال ونساء، قال: قال مالك: إذا ادعوا الدم على جماعة أقسموا على واحد منهم وقتلوا إذا كان لهم لوث من بينة، أو تكلم بذلك المقتول، أو قامت البينة على أنهم ضربوه ثم عاش بعد ذلك ثم مات، قلت: فللورثة أن يقسموا على أيهم شاءوا ويقتلوه؟ قال: نعم؛ عند مالك، قلت: فإن ادعوا الخطأ وجاءوا بلوث من بينة على جماعة أقسم الورثة عليهم كلهم بالله الذي لا إله إلا هو أنهم قتلوه ثم تفرق الدية على قبائلهم في ثلاث سنين؟ قال: نعم؛ وكذلك سألت مالكا فقال لي مثلما قلت، وقال لي مالك: ولا يشبه هذا العمد (٤).

وقال ابن رشد:


(١) صحيح البخاري الأحكام (٧١٩٢)، صحيح مسلم القسامة والمحاربين والقصاص والديات (١٦٦٩)، سنن الترمذي الديات (١٤٢٢)، سنن النسائي القسامة (٤٧١١)، سنن أبو داود الديات (٤٥٢٠)، سنن ابن ماجه الديات (٢٦٧٧)، مسند أحمد بن حنبل (٤/ ٣)، موطأ مالك القسامة (١٦٣٠)، سنن الدارمي الديات (٢٣٥٣).
(٢) صحيح البخاري الأحكام (٧١٩٢)، صحيح مسلم القسامة والمحاربين والقصاص والديات (١٦٦٩)، سنن الترمذي الديات (١٤٢٢)، سنن النسائي القسامة (٤٧١١)، سنن أبو داود الديات (٤٥٢٠)، سنن ابن ماجه الديات (٢٦٧٧)، مسند أحمد بن حنبل (٤/ ٣)، موطأ مالك القسامة (١٦٣٠)، سنن الدارمي الديات (٢٣٥٣).
(٣) الموطأ بشرح المنتقى ج٧ ص٦٢. .
(٤) المدونة الكبرى ج١٦ ص٢٢٤.