للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

واحدا معه أعاد عليه ما يلزمه من الأيمان، كما يبتدئ استحلافه على واحد لو كانت دعواه عليه منفردة، وإن كان له وارثان فأغفل الحاكم بعض ما وصفت أنه عليه أن يحلفه عليه وأحلفه مغفلا خمسين يمينا، ثم جاء الوارث الآخر فحلف خمسا وعشرين يمينا أعاد على الأول خمسا وعشرين يمينا؛ لأنها هي التي تلزمه مع الوارث معه، وإنما أحلفه أولا خمسا وعشرين يمينا؛ لأنه لا يستحق نصيبه من الدية إلا بها إذا لم تتم أيمان الورثة معه خمسين يمينا (١).

٣ - قال ابن قدامة: ذكر الخرقي من شروط القسامة أن تكون الدعوى عمدا، فوجب القصاص إذا ثبت القتل، وأن تكون الدعوى على واحد، وقال غيره: ليس بشرط، لكن إن كانت الدعوى عمدا محضا لم يقسموا إلا على واحد معين، ويستحقون دمه، وإن كانت خطأ أو شبه عمد فلهم القسامة على جماعة معينين ويستحقون الدية (٢).

وقال في حاشية المقنع: قوله: وأن تكون الدعوى على واحد إذا كانت الدعوى عمدا محضا لم يقسموا إلا على واحد معين يستحقون دمه وهذا بلا نزاع، قال الشارح: لا يختلف المذهب أنه لا يستحق بالقسامة أكثر من قتل واحد، وبهذا قال الزهري ومالك وبعض أصحاب الشافعي، وقال بعضهم: يستحق بها قتل جماعة؛ لأنها بينة موجبة للقود، فاستوى فيها الواحد والجماعة كالبينة، وقول أبي ثور نحو هذا.

ولنا قوله - صلى الله عليه وسلم -: «يقسم خمسون منكم على رجل منهم فيدفع إليكم برمته (٣)» فخص بها الواحد.

ولأنها بينة ضعيفة خولف بها الأصل في قتل الواحد فيقتصر عليه وتبقى على الأصل.

وأما إن كانت الدعوى خطأ أو شبه عمد فقال في الإنصاف: فالصحيح من المذهب والروايتين ليس لهم قسامة ولا تشرع على أكثر من واحد، وعليه جماهير الأصحاب، منهم الخرقي والقاضي وجماعة من أصحابه كالشريف وأبي الخطاب والشيرازي وابن البنا وابن عقيل وغيرهم، وجزم به في الوجيز والمنور ومنتخب الآدمي وغيرهم، وقدمه في المحرر والنظم والحاوي الصغير والفروع وغيرهم.

وعنه لهم القسامة على جماعة معينين ويستحقون الدية، وهو الذي قاله المصنف هنا، وجزم به في الهداية والمذهب والمستوعب والخلاصة، وقدمه في الرعايتين، وظاهر كلام المصنف هنا أن غير الخرقي ما قال ذلك، وتابعه الشارح وابن منجا، وليس الأمر كذلك، فقد ذكرنا عن غير الخرقي من اختار ذلك. انتهى.

قلت: والذي جزم به في الإقناع أن لهم القسامة في الخطأ كالعمد؛ لأن الخطأ أحد القتلين أشبه العمد، ويقسمون على واحد معين كالعمد، وهو معنى ما جزم به في الإنصاف (٤)


(١) الأم ج٦ ص٨١. .
(٢) المقنع ج٣ ص٤٣٢ - ٤٣٣. .
(٣) صحيح البخاري الأحكام (٧١٩٢)، صحيح مسلم القسامة والمحاربين والقصاص والديات (١٦٦٩)، سنن الترمذي الديات (١٤٢٢)، سنن النسائي القسامة (٤٧١١)، سنن أبو داود الديات (٤٥٢٠)، سنن ابن ماجه الديات (٢٦٧٧)، مسند أحمد بن حنبل (٤/ ٣)، موطأ مالك القسامة (١٦٣٠)، سنن الدارمي الديات (٢٣٥٣).
(٤) حاشية المقنع ج٣ ص٤٣٣ - ٤٤٣. .