للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ويناقش بما سبق من أن جميع الروايات التي فيها البدء بالمدعى عليهم قال المحدثون: هي وهم من راويها.

ومنها ما رواه مسلم في صحيحه: «ولكن اليمين على المدعى عليه (١)» وفي لفظ: «البينة على المدعي واليمين على المدعى عليه (٢)» رواه الشافعي في مسنده.

وقد أجاب ابن قدامة عن الاستدلال بهذا الحديث فقال: " اليمين على المدعى عليه " لم ترد به هذه القصة؛ لأنه يدل على أن الناس لا يعطون بدعواهم، وهنا قد أعطوا بدعواهم، على أن حديثنا أخص منه، فيجب تقديمه، ثم هو حجة عليهم؛ لكون المدعين أعطوا بمجرد دعواهم من غير بينة ولا يمين منهم، وقد رواه ابن عبد البر بإسناده عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «البينة على المدعي واليمين على من أنكر إلا في القسامة (٣)» وهذه الزيادة يتعين العمل بها؛ لأن الزيادة من الثقة مقبولة (٤) وأجاب الخطابي أيضا فقال: وأما عن الحديثين الآخرين - حديث «شاهداك أو يمينه (٥)»، «لو يعطى الناس بدعواهم لادعى رجال دماء قوم وأموالهم ولكن البينة على المدعي واليمين على من أنكر (٦)» - فإن القسامة أصل في نفسها، شرع الحكم بها لتعذر إقامة البينة حينئذ؛ لأن القاتل في الغالب إنما يقصد الخلوة والغيلة، بخلاف سائر الحقوق.

وأيضا فإنها لم تخرج عن ذلك الأصل، لأنه إنما كان القول قول المدعى عليه في تلك الحقوق لقوة جنبته بشهادة الأصل، وهو أن الأصل براءة الذمة، وهذا المعنى موجود هنا، فإنا لم نجعل القول قول المدعي إلا لقوة جنبته باللوث الذي يشهد بصدقه، فقد أهملنا ذلك الأصل ولم نطرحه بالكلية (٧).

وأما الأثر: فقال ابن رشد: واحتج هؤلاء القوم على مالك بما روي عن ابن شهاب الزهري عن سليمان بن يسار وعراك بن مالك أن عمر بن الخطاب قال للجهني الذي ادعى دم وليه على رجل من بني سعد، وكان أجرى فرسه فوطئ على إصبع الجهني فنزي فيها فمات، فقال عمر للذي ادعى عليهم: أتحلفون بالله خمسين يمينا ما مات منها؟ فأبوا أن يحلفوا وتحرجوا، فقال للمدعين: احلفوا، فأبوا، فقضى عليهم بشطر الدية (٨) ويمكن أن يجاب عن هذا بأنه أثر، وقد ثبت في الأحاديث الصحيحة تقدم المدعين، فلا تعارض الأحاديث الصحيحة بالآثار.

وهناك آثار لا تخلو من مقال تركنا ذكرها اختصارا، ومن أراد الرجوع إليها فعليه بمراجعة: نصب الراية، والدراية، وتلخيص الحبير، وشرح ابن القيم لسنن أبي داود.


(١) صحيح البخاري تفسير القرآن (٤٥٥٢)، صحيح مسلم الأقضية (١٧١١)، سنن الترمذي الأحكام (١٣٤٢)، سنن النسائي آداب القضاة (٥٤٢٥)، سنن أبو داود الأقضية (٣٦١٩)، سنن ابن ماجه الأحكام (٢٣٢١)، مسند أحمد بن حنبل (١/ ٢٨٨).
(٢) سنن الترمذي الأحكام (١٣٤١).
(٣) سنن الترمذي الأحكام (١٣٤١).
(٤) المغني ج٨ ص ٤٩٦. .
(٥) صحيح البخاري الرهن (٢٥١٦)، سنن الترمذي تفسير القرآن (٢٩٩٦)، مسند أحمد بن حنبل (١/ ٣٧٩).
(٦) سنن الترمذي الأحكام (١٣٤١).
(٧) إكمال إكمال المعلم ج٤ ص ٣٩٥. .
(٨) بداية المجتهد ج٢ ص ٤٣٠. .