للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ثقات التابعين، وقال البغوي: لا أدري له صحبة أم لا.

وقال ابن عمر: أدرك النبي -صلى الله عليه وسلم- ولم يسمع منه فيما أحسب، وفي صحبته نظر؛ لأنه روى، فمنهم من يقول إن حديثه مرسل، وكان يذكر بالعلم. انتهى (١).

ويجاب ثانيا بما أجيب به عن الحديث الأول من هذه الأدلة.

ومنها ما رواه أبو داود في سننه قال: حدثنا الحسن بن علي، أخبرنا عبد الرزاق، أنبأنا معمر عن الزهري، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، وسليمان بن يسار، «عن رجال من الأنصار أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال لليهود وبدأ بهم: " يحلف منكم خمسون رجلا " فأبوا، فقال للأنصار: " استحقوا (٢)»، فقالوا نحلف على الغيب يا رسول الله! فجعلها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- دية على يهود؛ لأنه وجد بين أظهرهم).

ورد هذا الحديث بقول المنذري: قال بعضهم: وهذا حديث ضعيف لا يلتفت إليه، وقد قيل للإمام الشافعي -رضي الله عنه- ما منعك أن تأخذ بحديث ابن شهاب؟ فقال: مرسل، والقتيل أنصاري، والأنصاريون بالعناية أولى بالعلم به من غيرهم إذ كان كل ثقة، وكل عندنا بنعمة الله ثقة، قال البيهقي -رضي الله عنه-: وأظنه أراد بحديث الزهري ما روى عنه معمر عن أبي سلمة وسليمان بن يسار عن رجال من الأنصار، وذكر هذا الحديث (٣) وقال ابن القيم: وهذا الحديث له علة وهي أن معمرا انفرد به عن الزهري، وخالفه ابن جريج وغيره، فرووه عن الزهري بهذا الإسناد بعينه عن أبي سلمة وسليمان عن رجال من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- أقر القسامة على ما كانت عليه في الجاهلية، وقضى فيها بين ناس من الأنصار في قتيل ادعوه على اليهود، ذكره البيهقي.

وفي قول الشافعي: إن حديث ابن شهاب مرسل - نظر، والرجال من الأنصار لا يمتنع أن يكونوا صحابة، فإن أبا سلمة وسليمان كل منهما من التابعين قد لقي جماعة من الصحابة، إلا أن الحديث غير مجزوم باتصاله؛ لاحتمال كون الأنصاريين من التابعين (٤).

وأجيب عن هذا بقول ابن رشد عند ذكره لهذا الحديث بسنده هذا قال: وهو حديث صحيح الإسناد؛ لأنه رواه الثقات عن الزهري عن أبي سلمة (٥).


(١) سنن أبي داود وعليها عون المعبود وشرح ابن القيم ج١٢ ص٢٥٢.
(٢) قال في عون المعبود: فقال للأنصار استحقوا، في القاموس: استحقه استوجبه، والمراد هنا أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أمر الأنصار بأن يستوجبوا الحق الذي يدعونه على اليهود بأيمانهم، فأجابوا بأنهم لا يحلفون على الغيب ج١٢ ص٢٥٣.
(٣) سنن أبي داود عليها عون المعبود ومعالم السنن للخطابي وشرح ابن القيم ج١٢ ص٢٥٤ - ٢٥٥. .
(٤) شرح ابن القيم على سنن أبي داود ج١٢ ص٢٥٣ - ٢٥٤.
(٥) بداية المجتهد ج٢ ص٤٣٠. .