للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقال الشافعي أيضا تحت ترجمة " الورثة يقسمون ": وإذا قتل الرجل فوجبت فيه القسامة لم يكن لأحد أن يقسم عليه إلا أن يكون وارثا، كان قتله عمدا أو خطأ، وذلك أنه لا تملك النفس بالقسامة إلا دية المقتول، ولا يملك دية المقتول إلا وارث، فلا يجوز أن يقسم على ما لا يستحق إلا من له المال بنفسه، أو من جعل الله تعالى له المال من الورثة.

وقال الشافعي: لو وجبت في رجل القسامة وعليه دين وله وصايا فامتنع الورثة من القسامة فسأل أهل الدين أو الموصى لهم أن يقسموا لم يكن ذلك لهم، وذلك أنهم ليسوا المجني عليه الذي وجب له على الجانين المال، ولا الورثة الذين أقامهم الله تعالى مقام الميت في ماله بقدر ما فرض له منه.

وقال الشافعي: ولو ترك القتيل وارثين فأقسم أحدهما فاستحق به نصف الدية أخذها الغرماء من يده، فإن فضل منها فضل أخذ أهل الوصايا ثلثها من يده ولم يكن لهم أن يقسموا ويأخذوا النصف الآخر، فإن أقسم الوارث الآخر أخذ الغرماء من يده ما في يده حتى يستوفوا ديونهم، وإن استوفوا أخذ أهل الوصايا الثلث مما في يده، وإن كان للغرماء مائة دينار فاستوفوها من نصف الدية الذي وجب للذي أقسم أولا ثم أقسم الآخر رجع الأول على الآخر بخمسين دينارا، ولا يرجع عليه في الوصايا؛ لأن أهل الوصايا إنما يأخذون منه ثلث ما في يده لا كله كما يأخذه الغرماء.

قال الشافعي: ولا يقسم ذو قرابة ليس بوارث، ولا ولي يتيم من ولد الميت حتى يبلغ اليتيم، فإن مات اليتيم قام ورثته في ذلك مقامه، وإن طلب ذو قرابة وهو غير وارث القتيل أن يقسم جميع القسامة لم يكن ذلك له، فإن مات ابن القتيل أو زوجة له أو أم أو جدة فورثه ذو القرابة كان له أن يقسم؛ لأنه صار وارثا.

وقد أورد الشافعي -رحمه الله- اعتراضا على تخصيصه الوارث وأجاب عنه.

قال الشافعي: فإن قال قائل ففي حديث ابن أبي ليلى ذكر أخي المقتول ورجلين معه أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال لهم: «تحلفون وتستحقون (١)» فكيف لا يحلف الوارث؟ قلت: قد يمكن أن يكون قال ذلك لوارث المقتول هو وغيره، ويمكن أن يكون قال ذلك لوارثه وحده تحلفون لواحد، وقال ذلك لجماعتهم، يعني به يحلف الورثة إن كان مع أخيه الذي حكى أنه حضر النبي -صلى الله عليه وسلم- وارث غيره، أو كان أخوه غير وارث له، وهو يعني بذلك الورثة.

فإن قال قائل: ما الدلالة على هذا؟ فإن جميع حكم الله وسنن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فيما سوى القسامة أن يمين المرء لا تكون إلا فيما يدفع بها الرجل عن نفسه، كما يدفع قاذف امرأته الحد عن نفسه،


(١) صحيح البخاري الجزية (٣١٧٣)، صحيح مسلم القسامة والمحاربين والقصاص والديات (١٦٦٩)، سنن الترمذي الديات (١٤٢٢)، سنن النسائي القسامة (٤٧١٥)، سنن أبو داود الديات (٤٥٢١)، سنن ابن ماجه الديات (٢٦٧٧).