وينزل خلطه- منزلة رطوبته؛ لكونه من مصلحته، فلا يمنع من بيعه بما يماثله، كالرطب بالرطب، ولا يجوز بيعه بما ليس فيه خلط، كبيع خل العنب بخل الزبيب؛ لإفضائه إلى التفاضل، فجرى مجرى بيع التمر بالرطب، ومنع الشافعي ذلك كله، إلا بيع الشيرج بالشيرج، لكون الماء لا يظهر في الشيرج.
الثالث: أن يكون غير المقصود كثيرا، وليس من مصلحته، كاللبن المشوب بالماء، والأثمان المغشوشة بغيرها، فلا يجوز بيع بعضها ببعض؛ لأن خلطه ليس من مصلحته، وهو يخل بالتماثل المقصود فيه، وإن باعه بجنس غير المقصود، كبيع الدينار المغشوش بالفضة بالدراهم، احتمل الجواز؛ لأنه يبيعه بجنس غير مقصود فيه، فأشبه بيع اللبن بشاة فيها لبن، ويحتمل المنع؛ بناء على الوجه الآخر في الأصل. وإن باع دينارا مغشوشا بمثله، والغش فيها متفاوت أو غير معلوم المقدار، لم يجز؛ لأنه يخل بالتماثل المقصود. وإن علم التساوي في الذهب والغش الذي فيهما، خرج على الوجهين، أولاهما: الجواز؛ لأنهما تماثلا في المقصود وفي غيره، ولا يفضي إلى التفاضل بالتوزيع بالقيمة؛ لكون الغش غير مقصود فكأنه لا قيمة له.
(فصل) ولو دفع إليه درهما، فقال: أعطني بنصف هذا الدرهم نصف درهم، وبنصفه فلوسا، أو حاجة أخرى جاز، لأنه اشترى نصفا بنصف، وهما متساويان، فصح، كما لو دفع إليه درهمين، وقال: بعني بهذا الدرهم فلوسا، وأعطني بالآخر نصفين. وإن قال: أعطني بهذا الدرهم نصفا وفلوسا، جاز أيضا؛ لأن معناه ذلك، ولأن ذلك لا يفضي إلى التفاضل بالتوزيع بالقيمة؛ فإن قيمة النصف الذي في الدرهم، كقيمة النصف الذي مع الفلوس يقينا، وقيمة الفلوس، كقيمة النصف الآخر سواء.
(فصل) وما كان مشتملا على جنسين بأصل الخلقة، كالتمر الذي