فإن فقد أهل الخطة. وكان في المحلة ملاك وسكان فالدية على الملاك لا على السكان عند أبي حنيفة ومحمد.
وعند أبي يوسف: عليهم جميعا.
له ما «روي أن رسول الله -عليه الصلاة والسلام- أوجب القسامة على أهل خيبر، وكانوا سكانا، (١)» ولأن للساكن اختصاصا بالدار يدا، كما أن للمالك اختصاصا بها ملكا، ويد الخصوص تكفي لوجوب القسامة.
وجه قولهما: أن المالك أخص بحفظ الموضع ونصرته من السكان؛ لأن اختصاصه اختصاص ملك، وأنه أقوى من اختصاص اليد. ألا يرى أن السكان يسكنون زمانا ثم ينتقلون.
وأما إيجاب القسامة على يهود خيبر فممنوع؛ لأنهم كانوا سكانا، بل كانوا ملاكا، فإنه روي أنه -عليه الصلاة والسلام- أقرهم على أملاكهم ووضع الجزية على رءوسهم، وما كان يؤخذ منهم كان يؤخذ على وجه الجزية لا على سبيل الأجرة.
ولو وجد قتيل في سفينة فإن لم يكن معهم ركاب فالقسامة والدية على أرباب السفينة، وعلى من يمدها ممن يملكها أو لا يملكها، وإن كان معهم فيها ركاب فعليهم جميعا، وهذا في الظاهر يؤيد قول أبي يوسف في إيجابه القسامة والدية على الملاك والسكان جميعا.
وأبو حنيفة ومحمد -رحمهما الله- يفرقان بين السفينة والمحلة؛ لأن السفينة تنقل وتحول من مكان إلى مكان فتعتبر فيها اليد دون الملك كالدابة إذا وجد عليها قتيل، بخلاف الدار فإنها لا تحتمل النقل والتحويل، فيعتبر فيها الملك والتحويل ما أمكن لا اليد. وكذا العجلة حكمها حكم السفينة؛ لأنها تنقل وتحول، ولو وجد القتيل معه رجل يحمله على ظهره فعليه القسامة والدية؛ لأن القتيل في يده.
ولو وجد جريح معه به رمق يحمله حتى أتى به أهله فمكث يوما أو يومين ثم مات لا يضمن عند أبي يوسف. وقال أبو يوسف: وفي قياس قول أبي حنيفة -رضي الله عنه- يضمن.
وجه القياس: أن الحامل قد ثبتت يده عليه مجروحا فإذا مات من الجرح فكأنه مات في يده، وهذا تفريع على من جرح في قبيلة فتحامل إلى قبيلة أخرى فمات فيهم، وقد ذكرناه فيما تقدم.
وكذلك إذا كان على دابة، ولها سائق أو قائد أو عليها راكب فعليه القسامة والدية؛ لأنه في يده، وإن اجتمع السائق والقائد والراكب فعليهم جميعا؛ لأن القتيل في أيديهم، فصار كأنه وجد في دارهم.
وإن وجد على دابة لا سائق لها ولا قائد ولا راكب عليها، فإن كان ذلك الموضع ملكا لأحد فالقسامة والدية على المالك، وإن كان لا مالك له فعلى أقرب المواضع إليه من حيث يسمع الصوت من الأمصار والقرى، وإن كان بحيث لا يسمع فهو هدر لما قلنا فيما تقدم.
فإن وجدت الدابة في محلة فعلى أهل تلك المحلة.
وكذلك إذا وجد في فلاة من الأرض أنه ينظر إن كان ذلك المكان الذي وجد فيه ملكا لإنسان فالقسامة
(١) سنن النسائي القسامة (٤٧٠٨)، مسند أحمد بن حنبل (٥/ ٤٣٢).