للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والدية عليه، وإن لم يكن له مالك فعلى أقرب المواضع إليه من الأمصار والقرى، إذا كانت بحيث يبلغ الصوت منها إليه، فإن كان بحيث لا يبلغ فهو هدر لما قلنا، وذكر في الأصل في قتيل وجد بين قريتين أنه يضاف إلى أقربهما.

لما روي عن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- «أمر بأن يوزع بين قريتين في قتيل وجد بينهما (١)».

وكذا روي عن سيدنا عمر -رضي الله عنه- في قتيل وجد بين وادعة وأرحب، وكتب إليه عامله بذلك، فكتب إليه سيدنا عمر -رضي الله عنه- أن قس بين القريتين فأيهما كان أقرب فألزمهم، فوجد القتيل إلى وادعة أقرب فألزموا القسامة والدية، وذلك كله محمول على ما إذا كان بحيث يبلغ الصوت إلى الموضع الذي وجد فيه القتيل، كذا ذكر محمد في الأصل، حكاه الكرخي -رحمه الله- والفقه ما ذكرنا فيما تقدم.

وكذا إذا وجد بين سكتين فالقسامة والدية على أقربهما، فإن وجد في المعسكر في فلاة من الأرض، فإن كانت الأرض التي وجد فيها لها أرباب فالقسامة والدية على أرباب الأرض؛ لأنهم أخص بنصرة الموضع وحفظه، فكانوا أولى بإيجاب القسامة والدية عليهم، وهذا على أصلهما؛ لأن المعسكر كالسكان، والقسامة على الملاك لا على السكان على أصلهما، فأما على أصل أبي يوسف -رحمه الله- فالقسامة والدية عليهم جميعا، وإن يكن في ملك أحد بأن وجد في خباء أو فسطاط فعلى من يسكن الخباء والفسطاط، وعلى عواقلهم القسامة والدية.

لأن صاحب الخيمة خص بموضع الخيمة من أهل العسكر بمنزلة صاحب الدار مع أهل المحلة، ثم القسامة على صاحب الدار إذا وجد فيها قتيل لا على أهل المحلة، كذا هاهنا.

وإن وجد خارجا من الفسطاط والخباء فعلى أقرب الأخبية والفساطيط منهم القسامة والدية، كذا ذكر في ظاهر الرواية؛ لأن الأقرب أولى بإيجاب القسامة والدية؛ لما ذكرنا.

وعن أبي حنيفة -رضي الله عنه - إذا وجد بين الخيام فالقسامة والدية على جماعتهم، كالقتيل يوجد في المحلة جعل الخيام المحمولة كالمحلة على هذه الرواية، هذا إذا لم يكن العسكر لقوا عدوا، فإن كانوا قد لقوا عدوا فقاتلوا فلا قسامة، ولا دية في قتيل يوجد بين أظهرهم.

لأنهم إذا لقوا عدوا وقاتلوا فالظاهر أن العدو قتله لا المسلمون؛ إذ المسلمون لا يقتل بعضهم بعضا.

ولو وجد قتيل في أرض رجل إلى جانب قرية ليس صاحب الأرض من أهل القرية فالقسامة والدية على صاحب الأرض لا على أهل القرية؛ لأن صاحب الأرض أخص بنصرة أرضه وحفظها من أهل القرية، فكان أولى بإيجاب القسامة والدية عليه، كصاحب الدار مع أهل المحلة. . . . . ولو وجد قتيل في دار إنسان، وصاحب الدار من أهل القسامة فالقسامة والدية على صاحب الدار، وعلى عاقلته، كذا ذكر في الأصل، ولم يفصل بين ما إذا كانت العاقلة حضورا أو غيبا، وذكر في اختلاف زفر ويعقوب -رحمهما الله- أن القسامة على رب الدار وعلى عاقلته حضورا كانوا أو غيبا.


(١) مسند أحمد بن حنبل (٣/ ٣٩).