للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فلا

يلزم من تلفيقها تلفيق ما يختلف مدلوله أو مقصوده (١).

ولابن حزم -رحمه الله - كلام فيمن يحلف وكم يحلف مع ذكر المذاهب والأدلة ومناقشتها، رأت اللجنة أن تختم هذه الفقرة بذكره.

قال ابن حزم: فيمن يحلف بالقسامة، قال أبو محمد -رحمه الله-: اتفق القائلون بالقسامة على أنه يحلف فيها الرجال الأحرار البالغون العقلاء من عشيرة المقتول الوارثين له، واختلفوا فيما وراء ذلك في وجوه منها: هل يحلف من لا يرث من العصبة أم لا، وهل يحلف العبد في جملتهم أم لا، وهل تحلف المرأة فيهم أم لا وهل يحلف المولى من فوق أم لا، وهل يحلف المولى الأسفل فيهم أم لا، وهل يحلف الحليف أم لا؟ فوجب لما تنازعوا على ما أوجبه الله تعالى علينا عند التنازع إذ يقول تعالى: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ} (٢)، الآية ففعلنا فوجدنا رسول الله -عليه السلام- قال في حديث القسامة الذي لا يصح عنه غيره كما قد تقصيناه قبل: «تحلفون وتستحقون ويحلف خمسون منكم (٣)» فخاطب النبي -عليه الصلاة والسلام- بني حارثة عصبة المقتول، وبيقين يدري كل ذي معرفة أن ورثة عبد الله بن سهل -رضي الله عنه- لم يكونوا خمسين وما كان له وارث إلا أخوه عبد الرحمن وحده، وكان المخاطب بالتحليف ابني عمه محيصة وحويصة وهما غير وارثين له، فصح أن العصبة يحلفون وإن لم يكونوا وارثين، وصح أن من نشط لليمين منهم كان ذلك له، سواء كان بذلك أقرب إلى المقتول أو أبعد منه؛ لأن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- خاطب ابني العم كما خاطب الأخ خطابا مستويا لم يقدم فيه أحدا منهم، وكذلك لم يدخل في التحليف إلا البطن الذي يعرف المقتول بالانتساب إليه؛ لأن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لم يخاطب بذلك إلا بني حارثة الذي كان المقتول معروفا بالنسب فيهم، ولم يخاطب بذلك سائر بطون الأنصار كبني عبد الأشهل، وبني ظفر وبني زعورا، وهم إخوة بني حارثة، فلا يجوز أن يدخل فيهم من لم يدخله رسول الله -صلى الله عليه وسلم.

قال أبو محمد -رحمه الله -: فإن كان في العصبة عبد صريح النسب فيهم، إلا أن أباه تزوج أمة لقوم فلحقه الرق لذلك، فإنه يحلف معهم إن شاء؛ لأنه منهم، ولم يخص -عليه السلام- إذ قال: " خمسون منكم " حرا من عبد إذا كان منهم كما كان عمار بن ياسر -رضي الله عنه- من طينة عنس، ولحقه الرق لبني مخزوم كما كان عامر بن فهيرة أزديا صريحا فلحقه الرق؛ لأن أباه تزوج فهيرة أمة أبي بكر -رضي الله عنه- وكما كان المقداد بن عمرو بهرانيا قحا، ولحقه الرق من قبل أمه. وبالله.

تعالى التوفيق.

وأما المرأة فقد ذكرنا قبل أن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- أحلف امرأة في القسامة وهي طالبة فحلفت، وقضى لها بالدية على مولى لها. وقال المتأخرون: لا تحلف المرأة أصلا، واحتجوا بأنه إنما يحلف من تلزمه له النصرة، وهذا باطل مؤيد بباطل؛ لأن النصرة واجبة على كل مسلم بما روينا من طريق البخاري


(١) المغني جزء ٨ ص ٥٠٣ - ٥٠٤.
(٢) سورة النساء الآية ٥٩
(٣) صحيح البخاري الجزية (٣١٧٣)، صحيح مسلم القسامة والمحاربين والقصاص والديات (١٦٦٩)، سنن الترمذي الديات (١٤٢٢)، سنن النسائي القسامة (٤٧١٥)، سنن أبو داود الديات (٤٥٢١)، سنن ابن ماجه الديات (٢٦٧٧).