للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

٣ - قال المزني وقال الشافعي: إن وجد قتيل في محلة قوم لا يخالطهم غيرهم، أو في صحراء، أو مسجد، أو سوق فلا قسامة، وإن ادعى وليه على أهل المحلة لم يحلف إلا من أثبتوه بعينه، وإن كانوا ألفا فيحلفون يمينا يمينا؛ لأنهم يزيدون على خمسين، فإن لم يبق منهم إلا واحد حلف خمسين يمينا وبرئ، فإن نكلوا حلف ولاة الدم خمسين يمينا واستحقوا الدية في أموالهم إن كان عمدا، وعلى عواقلهم في ثلاث سنين إن كان خطأ (١).

قال ابن قدامة -رحمه الله تعالى -: "فصل" إذا ردت الأيمان على المدعى عليهم وكان عمدا لم تجز على أكثر من واحد فيحلف خمسين يمينا.

وإن كان عن غير عمد كالخطأ وشبه العمد فظاهر كلام الخرقي أنه لا قسامة في هذا؛ لأن القسامة من شرطها اللوث والعداوة إنما أثرها في تعمد القتل لا في خطئه، فإن احتمال الخطأ في العمد وغيره سواء.

وقال غيره من أصحابنا: فيه قسامة وهو قول الشافعي؛ لأن اللوث لا يختص العداوة عندهم، فعلى هذا تجوز الدعوى على الجماعة، فإذا ادعى على جماعة لزم كل واحد منهم خمسون يمينا.

وقال بعض أصحابنا تقسم الأيمان بينهم بالحصص كقسمها بين المدعين، إلا أنها ها هنا تقسم بالسوية؛ لأن المدعى عليهم متساوون فيها فهم كبني الميت.

وللشافعي قولان كالوجهين.

والحجة لهذا القول قول النبي -صلى الله عليه وسلم- «تبرئكم يهود بخمسين يمينا (٢)» وفي لفظ قال: «فيحلفون لكم خمسين يمينا ويبرءون من دمه (٣)».

ولأنهم أحد المتداعين في القسامة فتسقط الأيمان على عددهم كالمدعين، وقال مالك: يحلف من المدعى عليهم خمسون رجلا خمسين يمينا فإن لم يبلغوا خمسين رجلا رددت على من حلف منهم حتى تكمل خمسين يمينا، فإن لم يوجد أحد يحلف إلا الذي ادعى عليه حلف وحده خمسين يمينا.

لقوله -صلى الله عليه وسلم- «فتبرئكم يهود بخمسين يمينا (٤)»

ولنا أن هذه أيمان يبرئ بها كل واحد نفسه من القتل، فكان على كل واحد خمسون، كما لو ادعى على كل واحد وحده قتيل.

ولأنه يبرئ المدعى عليه حال الاشتراك إلا ما يبرئه حال الانفراد.

ولأن كل واحد منهم يحلف على غيره ما حلف عليه صاحبه بخلاف المدعين فإن أيمانهم على شيء واحد،


(١) مختصر المزني بهامش الأم ج٥ ص١٥٢.
(٢) صحيح مسلم القسامة والمحاربين والقصاص والديات (١٦٦٩)، سنن الترمذي الديات (١٤٢٢)، سنن النسائي القسامة (٤٧١٤).
(٣) مسند أحمد بن حنبل (٤/ ٣)، سنن الدارمي الديات (٢٣٥٣).
(٤) صحيح مسلم القسامة والمحاربين والقصاص والديات (١٦٦٩)، سنن الترمذي الديات (١٤٢٢)، سنن النسائي القسامة (٤٧١٢)، موطأ مالك القسامة (١٦٣١).