للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

سمعته من رجل مرضي- أن تخالف الأمة أجمعين.

وقد تركت أشياء كثيرة من أشباه هذا، وأنا أحب توفيق الله إياك وطول بقائك؛ لما أرجو للناس في ذلك من المنفعة، وما أخاف من الضيعة إذا ذهب مثلك، مع استئناسي بمكانك، وإن نأت الدار؛ فهذه منزلتك عندي ورأي فيك فاستيقنه، ولا تترك الكتاب إلي بخبرك وحالك وحال ولدك وأهلك وحاجة إن كانت لك أو لأحد يوصل بك، فإني أسر بذلك، كتبت إليك ونحن صالحون معافون والحمد لله، نسأل الله أن يرزقنا وإياكم شكر ما أولانا وتمام ما أنعم به علينا. والسلام عليكم ورحمة الله (١).

ففي هاتين الرسالتين الأدب الجم في حسن التخاطب، وفيهما دراية ورعاية لفقه التعامل مع المخالف. وهاتان الرسالتان تمثلان بحق لونا رفيعا من أدب التخاطب والتحاور بالحجج العلمية دون تعريض أو تجريح بعضهما ببعض أو بالآخرين. انظر إلى قول الليث بن سعد في ربيعة شيخ الإمام مالك: (وذاكرت أنت وعبد العزيز بن عبد الله بعض ما نعيب على ربيعة من ذلك، (٢) فكنتما من الموافقين فيما أنكرت، تكرهان منه ما أكرهه، ومع ذلك بحمد الله عند ربيعة خير كثير، وعقل أصيل، ولسان بليغ، وفضل مستبين، وطريقة حسنة في الإسلام، ومودة لإخوانه عامة ولنا خاصة، رحمه الله وغفر له وجزاه


(١) إعلام الموقعين، ج٣ ص ٨٣ - ٨٨.
(٢) لأنه صار يأخذ بمنهج مدرسة أهل الرأي في بعض المسائل.