للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ووجه القول الثاني: أن القتل لم يثبت قبله فيجب عليه عقوبته، ونكول الأولياء يبطل ما ادعوه من القتل فلا تجب فيه عقوبة سجن ولا ضرب (١).

ب - قال الباجي في شرح قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: «أتحلف لكم يهود (٢)» يحتمل أن يكون على وجه رد الأيمان على المدعى عليهم حين نكول المدعين، وهي السنة عند مالك والشافعي أن يبدأ المدعون بالأيمان، فإن نكلوا ردت على المدعى عليهم. وقال أبو حنيفة: يبدأ المدعى عليهم بالأيمان، فإن أقسموا برئوا، وإن نكلوا ردت على المدعي، والدليل على ما نقوله الحديث المتقدم أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال للحارثيين «أتحلفون وتستحقون دم صاحبكم"؟ قالوا: لا، قال: فتحلف لكم يهود؟ (٣)» قال القاضي أبو محمد: قلنا: من هذا الحديث دليلان:

أحدهما: أنه بدأ المدعين بالأيمان.

والثاني: أنه نقلها عند نكولهم إلى المدعى عليهم. وقد روى أبو قلابة أن النبي -صلى الله عليه وسلم- «بدأ المدعى عليهم بالأيمان» وهو حديث مقطوع، وما رواه مسند من رواية أهل المدينة.

ومن جهة المعنى أن اليمين إنما يثبت في إحدى الجنبتين واللوث وهو الشاهد العدل قد قوى جهة المدعين فثبتت الأيمان في جنبتهم (٤).

قال الإمام مالك: يحلف من ولاة الدم خمسون رجلا خمسين يمينا، فإن قل عددهم أو نكل بعضهم ردت الأيمان عليهم، إلا أن ينكل أحد من ولاة المقتول ولاة الدم الذين يجوز لهم العفو عنه، فإن نكل أحد من أولئك فلا سبيل إلى الدم إذا نكل أحد منهم، قال يحيى: قال مالك: وإنما ترد الأيمان على من بقي منهم إذا نكل أحد ممن لا يجوز لهم العفو عن الدم، وإن كان واحدا، فإن الأيمان لا ترد على من بقي من ولاة الدم إذا نكل أحد منهم عن الأيمان، ولكن الأيمان إذا كان ذلك ترد على المدعى عليهم، فيحلف منهم خمسون رجلا خمسين يمينا، فإن لم يبلغوا خمسين رجلا ردت الأيمان على من حلف منهم، فإن لم يوجد أحد يحلف إلا الذي ادعى عليه حلف هو خمسين يمينا وبرئ.

قال الباجي: قوله: فإن قل عددهم أو نكل بعضهم ردت الأيمان عليهم؛ يريد: إن قل عدد المعينين من العصبة، أو نكل بعضهم فإن كانوا أكثر من اثنين فنكل بعضهم عن معونة الولي فإن من بقي مع الولي ترد عليهم الأيمان حتى يستوفوا خمسين يمينا، فلا تبطل القسامة بنكول بعض المعينين من العصبة مع بقاء الولي أو الأولياء عن القيام بالدم والمطالبة به.

ولو نكل الولي لم يكن للمعينين القسامة ولا المطالبة بالدم، وكذلك لو كان الأولياء جماعة فنكل واحد منهم لم يكن لغيرهم قسامة في المشهور من المذهب؛ لأنه لا قسامة لغيرهم، وترد الأيمان على المدعى عليهم.


(١) المنتقى ج٧ ص١٢٧.
(٢) صحيح البخاري الأحكام (٧١٩٢)، صحيح مسلم القسامة والمحاربين والقصاص والديات (١٦٦٩)، سنن أبو داود الديات (٤٥٢١)، سنن ابن ماجه الديات (٢٦٧٧).
(٣) صحيح البخاري الأحكام (٧١٩٢)، صحيح مسلم القسامة والمحاربين والقصاص والديات (١٦٦٩)، سنن الترمذي الديات (١٤٢٢)، سنن النسائي القسامة (٤٧١٥)، سنن أبو داود الديات (٤٥٢١)، سنن ابن ماجه الديات (٢٦٧٧).
(٤) المنتقى ج٧ ص٥٥