ولو عددنا ما كتبه من مصنفاته، أو قسناه بالنسبة لهذا العصر، لما قل عن اللحاق بالمكثرين من التأليف.
وتذرع القاسمي بعامة ذرائع النفع لهذه الأمة، فكان إماما في تآليفه الوفيرة، إماما في دروسه الكثيرة، إماما في محرابه ومنبره ومصلاه، رأسا في مضاء العزيمة، رأسا في العفة، وهذه الصفة هي السر الذي دار عليه محور نبوغه؛ لأنه لو صانع طمعا في حطام الدنيا لما خرج عن صفوف أهل محيطه.
كان القاسمي إذا لقيه المماحك في أحد المجامع عرضا، أو غشيه في درسه أو بيته ناقدا أو ناقما، علمه من حيث لا يشعر، وهداه إلى المحبة بكيس القول، فإذا أيقن أنه من المكابرين أعرض عنه وقال:(سلاما).
جاء القاسمي في عصر زهد الناس فيه في العلوم الدينية إلا قليلا فأعاد إليها في هذه الديار شيئا من بهائها السابق، ولقد كان يجتمع به الموافق والمخالف، فما كانا يصدران عنه إلا معجبين بعقله، مقرين بفضله، معترفين بقصور كثير من المشاهير عن إدراك شأوه، يخلب الألباب، ويستميل العقول، فكأنه خلق من معدن اللطف، ورقة الشمائل، ولم تجد الغلظة سبيلا إلى قلبه، ولا الفظاظة أثرا في كلامه وقلمه.
رأيت رجالا كثيرين في مصر والشام خاصة، فلم أر همة تفوق همة القاسمي، ولا نفسا طويلا على العمل ودؤوبا عليه أكثر منه، ولا غراما