للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأجيب عن الاستدلال بهذا الحديث بما يأتي:

١ - أجاب محمد بن الحسن الشيباني صاحب أبي حنيفة عنه بقوله: إنما قال لهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «أتحلفون وتستحقون دم صاحبكم (١)» يعني بالدية ليس بالقود، وإنما يدل على ذلك: أنه إنما أراد الدية دون القود قوله في أول الحديث «إما أن تدوا صاحبكم، وإما أن تؤذنوا بحرب (٢)». فهذا يدل على آخر الحديث، وهو قوله: «تحلفون وتستحقون دم صاحبكم (٣)»، لأن الدم قد يستحق بالدية كما يستحق بالقود، لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يقل له تحلفون وتستحقون دم من ادعيتم فيكون هذا على القود، وإنما قال لهم: «تحلفون وتستحقون دم صاحبكم (٤)» فإنما عنى به تستحقون دم صاحبكم بالدية، لأن أول الحديث يدل على ذلك وهو قوله: «إما أن تدوا صاحبكم، وإما أن تؤذنوا بحرب (٥)»، وقد قال عمر بن الخطاب: القسامة توجب العقل، ولا تشيط الدم في أحاديث كثيرة، فبهذا نأخذ وهو قول أبي حنيفة والعامة من فقهائنا.

٢ - وأجاب السرخسي بقوله: أما قوله «أتحلفون وتستحقون دم صاحبكم (٦)» فلا تكاد تصح هذه الزيادة، وقد قال جماعة من أهل الحديث: أوهم سهل بن أبي حثمة ما قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «أتحلفون وتستحقون دم صاحبكم (٧)»، (٨).

٣ - وأجاب أيضا بقوله: " ولو ثبت فإنما قال ذلك على طريق الإنكار عليهم لا على طريق الأمر لهم بذلك فإنه لو كان على سبيل الأمر لكان يقول: أتحلفون فتستحقون دم صاحبكم فأما قوله: «أتحلفون وتستحقون (٩)» فعلى سبيل الإنكار كقوله تعالى: {أَتَأْتُونَ الذُّكْرَانَ مِنَ الْعَالَمِينَ} (١٠) {وَتَذَرُونَ مَا خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ} (١١) الآية، وكذلك قوله: تحلفون معناه أتحلفون كقوله: {تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا} (١٢) معناه أتريدون وكان - عليه الصلاة والسلام - رأى منهم الرغبة في حكم الجاهلية حين أبوا أيمان اليهود وبقولهم: " نرضى بأيمان قوم كفار " فقال ذلك على سبيل الزجر فلما رأوا كراهة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لذلك رغبوا عنه بقولهم كيف نحلف على أمر لم نعاين ولم نشاهد وقد أيد ذلك الطحاوي (١٣).

٤ - وأجاب أيضا بقوله " ثم يحتمل أن يكون اليهود ادعوا عليهم بنقل القتيل من محلة أخرى إلى محلتهم فصاروا مدعى عليهم؛ فلهذا عرض عليهم اليمين (١٤). وبقوله - صلى الله عليه وسلم - «يقسم خمسون منكم على رجل منهم فيدفع برمته (١٥)».


(١) صحيح البخاري الأحكام (٧١٩٢)، صحيح مسلم القسامة والمحاربين والقصاص والديات (١٦٦٩)، سنن الترمذي الديات (١٤٢٢)، سنن النسائي القسامة (٤٧١٥)، سنن أبو داود الديات (٤٥٢١)، سنن ابن ماجه الديات (٢٦٧٧).
(٢) صحيح البخاري الأحكام (٧١٩٢)، سنن النسائي كتاب القسامة (٤٧١٠)، سنن أبو داود الديات (٤٥٢١)، سنن ابن ماجه الديات (٢٦٧٧)، موطأ مالك القسامة (١٦٣٠)، سنن الدارمي الديات (٢٣٥٣).
(٣) صحيح البخاري الجزية (٣١٧٣)، صحيح مسلم القسامة والمحاربين والقصاص والديات (١٦٦٩)، سنن الترمذي الديات (١٤٢٢)، سنن النسائي القسامة (٤٧١٥)، سنن أبو داود الديات (٤٥٢١)، سنن ابن ماجه الديات (٢٦٧٧).
(٤) صحيح البخاري الجزية (٣١٧٣)، صحيح مسلم القسامة والمحاربين والقصاص والديات (١٦٦٩)، سنن الترمذي الديات (١٤٢٢)، سنن النسائي القسامة (٤٧١٥)، سنن أبو داود الديات (٤٥٢١)، سنن ابن ماجه الديات (٢٦٧٧).
(٥) صحيح البخاري الأحكام (٧١٩٢)، سنن النسائي كتاب القسامة (٤٧١٠)، سنن أبو داود الديات (٤٥٢١)، سنن ابن ماجه الديات (٢٦٧٧)، موطأ مالك القسامة (١٦٣٠)، سنن الدارمي الديات (٢٣٥٣).
(٦) صحيح البخاري الأحكام (٧١٩٢)، صحيح مسلم القسامة والمحاربين والقصاص والديات (١٦٦٩)، سنن الترمذي الديات (١٤٢٢)، سنن النسائي القسامة (٤٧١٥)، سنن أبو داود الديات (٤٥٢١)، سنن ابن ماجه الديات (٢٦٧٧).
(٧) صحيح البخاري الأحكام (٧١٩٢)، صحيح مسلم القسامة والمحاربين والقصاص والديات (١٦٦٩)، سنن الترمذي الديات (١٤٢٢)، سنن النسائي القسامة (٤٧١٥)، سنن أبو داود الديات (٤٥٢١)، سنن ابن ماجه الديات (٢٦٧٧).
(٨) المبسوط ج٢٦ ص١٠٩.
(٩) صحيح البخاري الأحكام (٧١٩٢)، صحيح مسلم القسامة والمحاربين والقصاص والديات (١٦٦٩)، سنن الترمذي الديات (١٤٢٢)، سنن النسائي القسامة (٤٧١٥)، سنن أبو داود الديات (٤٥٢١).
(١٠) سورة الشعراء الآية ١٦٥
(١١) سورة الشعراء الآية ١٦٦
(١٢) سورة الأنفال الآية ٦٧
(١٣) شرح معاني الآثار ج٣ ص٣٠٢ وما بعدها.
(١٤) المبسوط ج٢٦ ص١٠٩.
(١٥) صحيح البخاري الأحكام (٧١٩٢)، صحيح مسلم القسامة والمحاربين والقصاص والديات (١٦٦٩)، سنن الترمذي الديات (١٤٢٢)، سنن النسائي القسامة (٤٧١١)، سنن أبو داود الديات (٤٥٢٠)، سنن ابن ماجه الديات (٢٦٧٧)، مسند أحمد بن حنبل (٤/ ٣)، موطأ مالك القسامة (١٦٣٠)، سنن الدارمي الديات (٢٣٥٣).