للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الأمر، أبانه له (١) ويقال: " أفتى الفقيه في المسألة، إذا بين حكمها (٢).

وأما في الإصلاح، فقد اختلف العلماء في تعريفه على آراء أهمها:

١ - أن المفتي هو المجتهد المطلق، وهو الفقيه، على حد تعبير صاحب " تحرير الكمال " (٣)، ولهذا يقول " الصيرفي " (٤) إنه " موضوع لمن قام للناس بأمر دينهم، وعلم جمل عموم القرآن، وخصوصه، وناسخه ومنسوخه، وكذلك في السنن والاستنباط، ولم يوضع لمن علم مسألة وأدرك حقيقتها " ويقول " ابن السمعاني " (٥): " هو من استكمل فيه ثلاثة شروط: الاجتهاد، والعدالة، والكف عن الترخيص والتساهل. وللمتساهل حالتان: إحداهما: أن يتساهل في طلب الأدلة وطرق الأحكام، ويأخذ ببادئ النظر وأوائل الفكر، وهذا مقصر في حق الاجتهاد، ولا يحل له أن يفتي ولا يجوز. والثانية: أن يتساهل في طلب الرخص وتأول السنة، فهذا متجوز في دينه، وهو آثم من الأول ".

٢ - ويذهب بعض العلماء إلى أن المفتي يكفي فيه أن يكون متبحرا في مذهب إمامه، فاهما لكلامه، عالما لراجحه من مرجوحه، خبيرا بالمرجوع عنه من المرجوع إليه، فلا يشترط فيه أن يكون مستطيعا لاستنباط الأحكام من أدلتها التفصيلية، ولا متبحرا في الكتاب والسنة، عالما بوجوه مباحثهما.

وقد أيد أصحاب هذا القول كلامهم بأن اشتراط الاجتهاد المطلق في المفتي، يفضي إلى حرج عظيم، واسترسال الخلق في أهوائهم (٦)، ثم إن المفتي حينما يكون متبحرا في مذهب إمامه يكون ذلك كافيا؛ حيث إنه يغلب على ظن العامي أنه حكم الله عنده (٧)، والقضاء - وهو مركز عظيم - قد أطبق الناس فيه على تنفيذ أحكام من تولاه دون مراعاة لحصول شرط الاجتهاد فيه (٨)، فليكن للمفتي ما للقاضي من حيث عدم اشتراط الاجتهاد فيه، بل إنه قد انعقد الإجماع على جواز الإفتاء لمن يتوفر فيه هذا الشرط، فقد قال الشيخ " تاج الدين السبكي (٩) ": " وقد انعقد الإجماع في زماننا على هذا النوع من الفتيا ".

وإذا أضفنا إلى ما تقدم ما يحدثنا به التاريخ من أن أناسا برزوا في العصور الزاهية للإسلام وملأوا الدنيا بعلومهم وآرائهم الصائبة، وادعوا الاجتهاد المطلق تبعا لذلك، ومع ذلك لم يسلم لهم أهل عصرهم به،


(١) " الفيروز آبادي، القاموس المحيط، مصر، مطبعة السعادة سنة ١٣٣٢ هـ مادة " الفتاء "
(٢) " ابن فارس، المصدر السابق مادة " فتى ".
(٣) محمد علي بن حسين، تهذيب الفروق، مطبعة دار إحياء الكتب العربية، ط أولى سنة ١٣٤٤ هـ ٢/ ١١٦
(٤) المصدر نفسه والصفحة نفسها:
(٥) المصدر نفسه ص ١١٦ - ١١٧
(٦) ابن السبكي، توشيح الترشيح، اقتبسه محمد علي بن حسين في كتابه (الفروق) ٢/ ١١٧
(٧) المصدر نفسه والصفحة نفسها
(٨) المصدر نفسه والصفحة نفسها
(٩) المصدر نفسه والصفحة نفسها