وروى أيضا أبو سعيد، وأبو هريرة: «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استعمل رجلا على خيبر، فجاءه بتمر جنيب، فقال: أكل تمر خيبر هكذا؟ قال: لا والله. إنا لنأخذ الصاع من هذا بالصاعين، والصاعين بالثلاثة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تفعل، بع بالتمر الدراهم، ثم اشتر بالدراهم جنيبا (١)». متفق عليهما. ولم يأمره أن يبيعه من غير من يشتري منه، ولو كان ذلك محرما لبينه له، وعرفه إياه، ولأنه باع الجنس بغيره من غير شرط، ولا مواطأة، فجاز؛ كما لو باعه من غيره، ولأن ما جاز من البياعات مرة، جاز على الإطلاق، كسائر البياعات، فأما إن تواطأ على ذلك، لم يجز، وكان حيلة محرمة، وبه قال مالك، وقال أبو حنيفة، والشافعي:(يجوز، ما لم يكن مشروطا في العقد).
ولنا: أنه إذا كان عن مواطأة كان حيلة، والحيل محرمة على ما سنذكره.
فصل: والحيل كلها محرمة، غير جائزة في شيء من الدين، وهو أن يظهر عقدا مباحا يريد به محرما؛ مخادعة وتوسلا إلى فعل ما حرم الله، واستباحة محظوراته، أو إسقاط واجب، أو دفع حق، ونحو ذلك. قال أيوب السختياني: (إنهم ليخادعون الله، كأنما يخادعون صبيا، لو كانوا يأتون الأمر على وجهه كان أسهل علي. فمن ذلك ما لو كان مع رجل عشرة صحاح، ومع الآخر خمسة عشر مكسرة، فاقترض كل واحد منهما ما مع صاحبه، ثم تباريا، توصلا إلى بيع الصحاح بالمكسرة متفاضلا، أو باعه
(١) صحيح البخاري البيوع (٢٢٠٢)، صحيح مسلم المساقاة (١٥٩٣)، سنن النسائي البيوع (٤٥٥٣)، موطأ مالك البيوع (١٣١٤).