للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والمسلمون يساوون غيرهم ممن يدخل تحت حكمهم بأنفسهم.

على أن المسلم في دار الإسلام يجوز له أن يقضي دائنه دينه بأفضل مما أخذ منه إذا كان بمحض اختياره، وقد قضى النبي صلى الله عليه وسلم من كان اقترض منه بعيرا بسن فوق سن بعيره؛ كما في الصحيحين. ولو كان ذلك مشروطا لكان ربا. قال أبو هريرة كما في البخاري: «إن رجلا تقاضى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأغلظ له، فهم به أصحابه، فقال: دعوه، فإن لصاحب الحق مقالا، واشتروا له بعيرا فأعطوه إياه فقالوا: لا نجد إلا أفضل من سنه، فقال: اشتروه فأعطوه إياه فإن خيركم أحسنكم قضاء (١)». وما رواه الحارث عن علي: «كل قرض جر منفعة فهو ربا» فسنده ضعيف، بل قالوا: إنه ساقط، فإن راويه سوار بن مصعب متروك يروي المنكر، بل اتهم برواية الموضوعات.

لولا كتاب خاص شرح لنا فيه صديقنا السائل سبب سؤاله لما فهمنا قوله فيه: إن تلك الفتوى ضربة قاضية على جميع ما حرمه الله تعالى. فقد كتب إلينا: إن بعض المستمسكين بحبل الدين في جاوه قد استنكروا الفتوى المسئول عنها؛ لأنهم فهموا منها أن استحلال الربا في دار الحرب يفضي إلى استحلال سائر المعاصي؛ كالزنا واللواط والقتل وغير ذلك فيها أو مطلقا. وهذا سوء فهم منهم، فإن الفتوى ليست في استحلال الربا مطلقا؛ كما تقدم. ولا يخفى على أحد منهم أن حرمة سفك الدم بغير حق أشد من حرمة أخذ المال بغير حق، فهل يقيسون إذا إباحة قتل المحارب على


(١) صحيح البخاري في الاستقراض وأداء الديون والحجر والتفليس (٢٣٩٠)، صحيح مسلم المساقاة (١٦٠١)، سنن الترمذي البيوع (١٣١٦)، سنن النسائي البيوع (٤٦١٨)، سنن ابن ماجه الأحكام (٢٤٢٣)، مسند أحمد بن حنبل (٢/ ٤٥٦).