ثم إن الربا إنما يتحقق في عرف الفقهاء بالعقد الذي يشترط فيه من يعطي المال أن يأخذ عليه ربحا معينا، فمن أقرض رجلا مالا بغير عقد ولا شرط فرده إليه وزاده من غير اشتراط زيادة كان ذلك حلالا، وقد ثبت في الحديث الصحيح استحباب ذلك كما بين في محله من صحيح البخاري وغيره، وحديث:«كل قرض جر منفعة فهو ربا»، غير صحيح كما بينا ذلك من قبل.
فعلم بهذا أن للجاويين وأمثالهم عدة وجوه لوضع شيء من أموالهم في صندوق التوفير الذي وضعته حكومتهم وأخذ الربح منها. ومثله وضع المال في مصارفهم المالية وأخذ الربح منها كما يفعل مسلمو الصين.
ومما يبعث العجب من حال كثير من المسلمين أنهم قد اختاروا لأنفسهم بلبسهم الدين مقلوبا كالفرو أن يقترضوا المال من الأوربيين بالربا ولا يقرضوهم، ويودعوا أموالهم في مصارفهم (البنوك) ليستغلوها ولا يستبيحون لأنفسهم أن يشاركوهم في شيء من ربحها، ومعنى هذا أنهم يفهمون من دينهم أنه أباح لهم أن يتلفوا ثروتهم ويعطوها للأجانب حتى الفاتحين منهم لبلادهم باسم الفتح، أو الاستعمار، أو باسم آخر، وحرم عليهم أن ينتفعوا بشيء منهم - ولو كان برضاهم - وبعض ثمرة ما أعطوهم من المال.
وأعجب من هذا أن منهم من يشكو من شرع دينه، ويزعم أنه لا ينطبق على مصلحة الأمة في هذا العصر، وإن تركه إلى شرائع تلك الأمم أنفع لهم. وإنما الأمر بضد ذلك، فقاعدة الشرع الإسلامي أنه لا حرام إلا ما كان ضارا، ومنه إضاعة المال، ولو عرف المسلمون حقيقة شرعهم والتزموا