للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الأول قوله تعالى: {وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ} (١). وجه الدلالة ما ذكره الباجي - رحمه الله - بقوله " لو جاز قبل يوم النحر لجاز الحلق قبل يوم النحر ولا سيما على القول بدليل الخطاب ولا خلاف بينهم في القول به إذا علق بالغاية وهو قول القاضي أبي بكر وأكثر شيوخنا. ومما يدل على هذا حديث حفصة، وهو قولها «يا رسول الله ما بال الناس حلوا من عمرتهم ولم تحل أنت من عمرتك فقال: " إني لبدت رأسي وقلدت هديي فلا أحل حتى أنحر (٢)».

وهذا يفيد أنه تعذر النحر عليه فوجب لامتناعه من الحلاقة ولو كان النحر مباحا لعلل امتناع الإحلال بغير تأخير النحر ولما صح اعتلاله به. ويمكن أن يناقش الاستدلال بالآية بأنها في الإحصار فإن قبلها قوله تعالى: {فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} (٣)، والكلام في هدي التمتع والقران لا الإحصار.

الثاني قوله تعالى: {فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} (٤)، وجه الدلالة أن الآية مطلقة من جهة تحديد وقت ذبح الهدي وقد جاء ما يدل على تحديده وهو قوله تعالى: {فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ} (٥) {ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ} (٦). ووجه الدلالة ما ذكره الجصاص وغيره من أن قضاء التفث وطواف الزيارة لا يكون قبل يوم النحر ولما رتب هذه الأفعال على ذبح هدي البدن دل على أنها بدن القران والتمتع لأن جميع الهدايا لا يترتب عليها هذه الأفعال، وأن له أن ينحرها متى شاء فثبت بذلك أن هدي المتعة غير مجز قبل يوم النحر.

وقد نوقش هذا الاستدلال بقول الجصاص - رحمه الله - " إذا كان الصيام بدلا من الهدي والهدي لا يجوز ذبحه قبل يوم النحر فكيف جاز الصوم؟ وأجاب عن ذلك بقوله: " لا خلاف في جواز الصيام قبل يوم النحر وقد ثبت بالسنة امتناع ذبح الهدي قبل يوم النحر وأحدها ثابت بالاتفاق وبدليل قوله تعالى: {فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ} (٧)، والآخر ثابت بالسنة فالاعتراض عليهما بالنظر ساقط.

وأيضا فإن الصوم مراعى ومنتظر به شيئان، أحدهما إتمام العمرة والحج في أشهر الحج والثاني ألا يجد حتى يحل فإذا وجد المعنيان صح الصوم عن المتعة وإذا عدم أحدهما بطل أن يكون الصوم متعة وصار تطوعا، وأما الهدي فقد رتب عليه أفعال أخر من حلق وقضاء التفث وطواف الزيارة فلذلك اختص بيوم النحر.

واعترض على ذلك بما قاله الجصاص من أن الله تعالى قال: {فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ} (٨).


(١) سورة البقرة الآية ١٩٦
(٢) صحيح البخاري الحج (١٥٦٦)، صحيح مسلم الحج (١٢٢٩)، سنن النسائي مناسك الحج (٢٦٨٢)، سنن أبو داود المناسك (١٨٠٦)، سنن ابن ماجه المناسك (٣٠٤٦)، مسند أحمد بن حنبل (٦/ ٢٨٥)، موطأ مالك الحج (٨٩٧).
(٣) سورة البقرة الآية ١٩٦
(٤) سورة البقرة الآية ١٩٦
(٥) سورة الحج الآية ٢٨
(٦) سورة الحج الآية ٢٩
(٧) سورة البقرة الآية ١٩٦
(٨) سورة البقرة الآية ١٩٦