للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فلا يجوز تقديمه على الحج وأجاب عن ذلك بقوله: لا يخلو قوله تعالى: {فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ} (١)، من أحد معان إما أن يريد به في الأفعال التي هي عمدة الحج وسماه النبي - صلى الله عليه وسلم - حجا وهو الوقوف بعرفة؛ لأنه قال: «الحج عرفة (٢)» في أول أشهر الحج لأن الله قال: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ} (٣)، وغير جائز أن يكون المراد فعل الحج الذي لا يصح إلا به، لأن ذلك إنما هو يوم عرفة بعد الزوال ويستحيل صوم الثلاثة الأيام منه، ومع ذلك فلا خلاف في جوازه قبل يوم عرفة فبطل هذا الوجه، وبقي من وجوه الاحتمال في إحرام الحج أو في أشهر الحج وظاهره يقتضي جواز فعله بوجود أيهما كان لمطابقته اللفظ في الآية وأيضا قوله تعالى: {فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ} (٤)، معلوم أن جوازه معلق بوجود سببه لا بوجوبه فإذا كان هذا المعنى موجودا عند إحرامه للعمرة وجب أن يجزئ ولا يكون ذلك خلاف الآية، كما أن قوله تعالى: {وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ} (٥)، دال على جواز تقديمها على القتل لوجود الجراحة وكذلك قوله - صلى الله عليه وسلم - «لا زكاة في مال حتى يحول عليه الحول (٦)» لم يمنع جواز تعجيلها لوجود سببها وهو النصاب فكذلك قوله تعالى: {فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ} (٧)، غير مانع جواز تعجيله لأجل وجود سببه الذي جاز فعله في الحج.

ثم نقده - رحمه الله - بقوله لم نجد بدلا يجوز تقديمه على وقت المبدل عنه ولما كان الصوم بدلا عن الهدي لم يجز تقديمه عليه. وأجاب عن ذلك بقوله: هذا اعتراض على الآية لأن نص التنزيل قد أجاز ذلك في الحج قبل يوم النحر. وأيضا فإننا لم نجد ذلك فيما تقدم البدل كله على وقت المبدل منه، وهاهنا إنما جاز تقديم بعض الصيام على وقت الهدي وهو صوم الثلاثة الأيام والسبعة التي معها غير جائز تقديمها عليها؛ لأنه تعالى قال: {وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ} (٨)، فإنما أجيز له من ذلك مقدار ما يحل به يوم النحر فإذا لم يجد الهدي وهدي العمرة يصح إيجابه بعد العمرة ويتعلق به حكم التمتع في باب المنع من الإحلال إلى أن يذبحه انتهى كلامه.

ونوقش الاستدلال بالآية على أن " ثم " للتراخي فربما يكون الذبح قبل يوم النحر وقضاء التفث فيه ". وأجيب عنه بأن موجب ثم بالتراخي يتحقق بالتأخير ساعة فلو جاز الذبح قبل النحر جاز قضاء التفث بعده بساعة كذلك.

* * *


(١) سورة البقرة الآية ١٩٦
(٢) سنن الترمذي الحج (٨٨٩)، سنن النسائي مناسك الحج (٣٠١٦)، سنن أبو داود المناسك (١٩٤٩)، سنن ابن ماجه المناسك (٣٠١٥)، مسند أحمد بن حنبل (٤/ ٣٣٥)، سنن الدارمي المناسك (١٨٨٧).
(٣) سورة البقرة الآية ١٩٧
(٤) سورة البقرة الآية ١٩٦
(٥) سورة النساء الآية ٩٢
(٦) سنن ابن ماجه الزكاة (١٧٩٢).
(٧) سورة البقرة الآية ١٩٦
(٨) سورة البقرة الآية ١٩٦