للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قال: فقال الناس: يا رسول الله قد أحرمنا بالحج كيف نجعلها عمرة؟ قال: " انظروا ما آمركم به فافعلوا " فردوا عليه القول فغضب ثم انطلق حتى دخل على عائشة وهو غضبان فرأت الغضب في وجهه فقالت: من أغضبك أغضبه الله فقال: ومالي لا أغضب وأنا آمر بالأمر فلا أتبع (١)».

وروى أبو داود عن الربيع بن سبرة عن أبيه قال: «خرجنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى إذا كنا بعسفان قال له سراقة بن مالك المدلجي: يا رسول الله اقض لنا قضاء قوم كأنما ولدوا اليوم فقال: " إن الله عز وجل قد أدخل عليكم في حجكم عمرة فإذا قدمتم فمن تطوف بالبيت وسعى بين الصفا والمروة فقد حل إلا من كان معه هدي (٢)».

فهذه الأحاديث منها ما هو نص في أن بدء وقت النحر للمتمتع والقارن يوم الأضحى ومنها ما يدل عليه بمفهومه أو مع أمره - صلى الله عليه وسلم - أن نأخذ عنه المناسك وقد نحر عن نفسه وعن أزواجه يوم الأضحى ونحر أصحابه كذلك ولم يعرف عن أحد منهم أنه نحر هديه لتمتعه أو قرانه قبل يوم الأضحى فكان ذلك عمدة في التوقيت بما ذكر من جهات عدة.

وأما الإجماع فقد قال ابن عابدين على قول صاحبي تنوير الأبصار وشرحه الدر المختار: ويتعين يوم النحر أي وقته وهو الأيام الثلاثة لذبح المتعة والقران فقط، فلم يجز قبله قال: " فلم يجزئ " أي بالإجماع وهو بضم أوله من الإجزاء.

وأما الأثر فقد نقل ابن قدامة عن الإمام أحمد أنه قال: روي عن غير واحد من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ورواه الأثرم عن ابن عمر وابن عباس. وأما المعنى فقد ذكره ابن قدامة بقوله: إنما قبل يوم النحر لا يجوز ذبح الأضحية فيه فلا يجوز فيه ذبح الهدي للمتمتع كمثل التحلل من العمرة.

القول الثاني أنه يجوز قبل يوم النحر وهو منقول عن بعض المالكية وبه قال الشافعي وبعض أصحابه وهو رواية عن الإمام أحمد وقول لبعض أصحابه والذين قالوا بهذا القول: منهم من يرى جواز ذبحه إذا قدم به قبل العشر وهو رواية عن أحمد، ومنهم من يرى جواز ذبحه إذا أحرم بالعمرة، ومنهم من يرى جواز ذبحه إذا حل من العمرة، ومنهم من يرى جواز ذبحه بعد الإحرام بالحج.

وفيما يلي نقول عن القائلين بهذا القول مع مناقشتها ثم نتبع ذلك بأدلتهم ومناقشتها.


(١) سنن ابن ماجه المناسك (٢٩٨٢)، مسند أحمد بن حنبل (٤/ ٢٨٦).
(٢) سنن أبو داود المناسك (١٨٠١)، سنن الدارمي كتاب المناسك (١٨٥٧).