للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أ - نقل الأبي عن القاضي عياض - رحمه الله - في الكلام على قول جابر - رضي الله عنه - " فأمرنا إذا أحللنا " أنه قال: في الحديث حجة لمن يجوز نحر الهدي للمتمتع بعد التحلل من العمرة وقبل الإحرام بالحج وهو إحدى الروايات عندنا أي المالكية، والأخرى أنه لا يجوز إلا بعد الإحرام بالحج؛ لأنه بذلك يصير متمتعا، والقول الأول جار على تقديم الكفارة على الحنث وعلى تقديم الزكاة على الحول، وقد يفرق بين هذه الأصول، والأول ظاهر الأحاديث لقوله «فأمرنا إذا أحللنا أن نهدي (١)». وقد ناقش محمد بن أحمد بن محمد بن يوسف الرهوني ما نقله الأبي عن القاضي عياض فقال: وأما ما نقله ويعني أبا عبد الله الأبي عن عياض فليس فيه أن الرواية بالجواز هي المشهورة أو الراجحة أو مساوية للأخرى على أن قوله وفي الحديث حجة لمن يجيز نحر هدي التمتع بعد التحلل من العمرة وقبل الإحرام بالحج وإن كان في الأبي كذلك (نحر بالنون والحاء والراء) مخالفا لما وجدته لعياض في الإكمال فإن الذي وجدته فيه تقليد هدي التمتع (بالتاء والقاف واللام والياء والدال) كذا وجدته في نسخة عتيقة مظنون بها الصحة لم أجد في الوقت غيرها ويؤيد ما وجدته في أنه ذكر المسألة في موضع آخر فلم يذكر فيها جواز ذلك (أي النحر بعد الفراغ من العمرة وقبل الإحرام بالحج) عند أحد لا من أهل المذهب ولا من غيره ونصه وقوله للمتمتعين فمن لم يجد هديا فليصم {ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ} (٢) نص في كتاب الله تعالى مما يلزم المتمتع وقد اختلف العلماء في تفسير هذه الجملة فقال جماعة من السلف: ما استيسر من الهدي شاة وهو قول مالك وقال جماعة أخرى منهم: بقرة دون بقرة وبدنة دون بدنة، وقيل المراد بدنة أو بقرة أو شاة أو شرك في دم وهذا عند مالك للحر والعبد إذ لا يهدي إلا أن يأذن له سيده وله الصوم وإن كان واجدا الهدي ولا يجوز عند مالك وأبي حنيفة نحره قبل يوم النحر، وأجاز ذلك الشافعي بعد إحرامه بالحج اهـ منه بلفظه.

ونقله الأبي نفسه مختصرا (عن القاضي عياض) وسلم ذكره قبل كلامه الذي نقله محمد البناني بنحو كراسين في كلامه (أي القاضي عياض) يفيد اتفاق الأئمة الثلاثة - رضي الله عنهم - على أنه لا يجوز نحره قبل الإحرام بالحج وكذا بعده مالك وأبو حنيفة خلافا للشافعي فكيف يذكر بعد ذلك الروايتين عند مالك في جواز نحره قبل الإحرام بالحج.

ويؤكد ذلك أيضا أن اللخمي إنما ذكر الخلاف في التقليد لا في النحر ونصه " ولا يقلد هدي المتعة إلا بعد الإحرام بالحج وكذلك القارن واختلف إذا قلد وأشعر قبل إحرام بالحج فقال أشهب وعبد الملك في كتاب ابن حبيب: لا يجزئه وقال ابن القاسم: يجزئه، فلم يجزئ في القول الأول لأن المتعة إنما تجب إذا أحرم بالحج وإذا قلد وأشعره قبل ذلك كان تطوعا والتطوع لا يجزئ عن الواجب وأجزأ في القول الأخير قياسا على تقديم الكفارة قبل الحنث والزكاة إذا قرب الحول والذي تقتضيه السنة التوسعة في جميع ذلك اهـ منه بلفظه.

ولا يخفى على منصف وقف على كلام اللخمي هذا وعلى كلام عياض أن الصواب هو ما وجدته في الإكمال ما نقله عنه الأبي ونص الإكمال قوله: «فأمرنا حين أحللنا أن نهدي ويجتمع النفر منا في الهدي وذلك حين أمرهم أن يحلوا من حجهم لوجوب الهدي على المتمتع كما قال: ": تعالى الله (٤)».


(١) صحيح مسلم الحج (١٣١٨).
(٢) سورة البقرة الآية ١٩٦
(٣) صحيح مسلم الحج (١٣١٨).
(٤) سورة البقرة الآية ١٩٦ (٣) {فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ}