للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بعد إحرام حجه ويجوز أيضا قبله على قول ابن القاسم انتهى.

وقال الشيخ الحطاب في شرحه: لقول خليل في مختصره ودم التمتع يجب بإحرام الحج وأجزأ قبله ما نصه: فإن قلت إذا كان هدي التمتع إنما ينحر بمنى إن وقف بعرفة أو بمكة بعد ذلك على ما سيأتي فما فائدة الوجوب هنا قلت يظهر في جواز تقليده وإشعاره بعد الإحرام للحج، وذلك أنه لو لم يجب الهدي حينئذ مع كونه يتعين بالتقليد لكان تقليده إذ ذاك قبل وجوبه فلا يجزئ إلا قلد بعد كمال الأركان.

وقال الشيخ الحطاب أيضا: والحاصل أن دم التمتع والقران يجوز تقليدها قبل وجوبها على قول ابن القاسم ورواية عن مالك، وهو الذي مشى عليه المصنف فإذا علم بعد ذلك فلم يبق للحكم بوجوب دم التمتع بإحرام الحج فائدة لا سيما على القول بأنه لا يجزئه ما قلده قبل الإحرام بالحج تظهر ثمرة الوجوب في ذلك ويكون المعنى أنه يجب بإحرام الحج وجوبا غير متحتم؛ لأنه معرض للسقوط بالموت والفوات فإذا رمى جمرة العقبة تحتم الوجوب فلا يسقط بالموت، كما نقول في كفارة الظهار أنها تجب بالعودة وجوبا غير متحتم بمعنى أنها تسقط بموت الزوجة وطلاقها فإن وطئ تحتم الوجوب ولزمت الكفارة ولو ماتت الزوجة وطلقها إلى أن قال: بل تقدم في كلام ابن عبد السلام في شرح المسألة الأولى: أن هدي التمتع إنما ينحر بمنى إن وقف به بعرفة أو بمكة بعد ذلك إلى آخره، وهو يدل على أنه لا يجزئ نحره قبل ذلك والله أعلم، ونصوص المذهب شاهدة بذلك.

قال القاضي عبد الوهاب في المعونة: ولا يجوز نحر هدي التمتع والقران قبل يوم النحر خلافا للشافعي لقوله تعالى: {وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ} (١)، وقد ثبت أن الحلق لا يجوز قبل يوم النحر فدل على أن الهدي لم يبلغ محله إلا يوم النحر وله نحو ذلك في شرح الرسالة، وقال في التلقين: الواجب بكل واحد من التمتع والقران هدي ينحره بمنى ولا يجوز تقديمه قبل فجر يوم النحر وله مثله في مختصر عيون المجالس، ثم قال الحطاب - رحمه الله -: فلا يجوز الهدي عند مالك حتى يحل وهو قول أبي حنيفة وجوزه الشافعي من حيث يحرم بالحج واختلف قوله فيما بعد التحلل من العمرة وقبل الإحرام بالحج ودليلنا أن الهدي متعلق بالتحلل وهو مفهوم من قوله تعالى: {وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ} (٢)، اهـ منه.

وكلام العلماء المالكية بنحو هذا كثير معروف والحاصل أنه لا يجوز ذبح دم التمتع والقران عند مالك وعامة أصحابه قبل يوم النحر وفيه قول ضعيف بجوازه بعد الوقوف بعرفة وهو لا يعول عليه وإن قولهم: إنه يجب بإحرام الحج لا فائدة فيه إلا جواز إشعار الهدي وتقليده بعد إحرام الحج لا شيء آخر فيما نقل عن عياض وغيره من المالكية مما يدل على جواز نحره قبل يوم النحر، كله غلط إما من تصحيف الإشعار والتقليد وجعل النحر بدل ذلك غلطا، وإما من الغلط في فهم المراد عند علماء المالكية كما لا يخفى على من عنده علم بالمذهب المالكي فاعرف هذا التحقيق ولا تغتر بغيره.


(١) سورة البقرة الآية ١٩٦
(٢) سورة البقرة الآية ١٩٦