للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

القول الأول: لا يجوز الذبح ليلا ومن قال به مالك وأصحابه إلا أشهب وهو رواية عن أحمد وهي ظاهر كلام الخرقي، قال الباجي: ولا يجوز نحر الهدي ليلا وعلى هذا قول مالك وأصحابه إلا أشهب فقد روى عنه ابن الحارث أنه يجوز نحر الهدي أو ذبحه ليلا وقال ابن قدامة: ولا يجزئ أي الذبح في ليلتهما في قول الخرقي. . . . قال: واختلفت الرواية عن أحمد في الذبح في ليلتي يومي التشريق ففيه لا يجزئ نص عليه أحمد - رضي الله عنه - في رواية الأشرم واستدل لهذا القول بالكتاب والسنة والمعنى: أما الكتاب فقوله تعالى: {لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ} (١).

وجه الدلالة قد يقال: إن الله ذكره بلفظ الأيام وذكر اليوم يدل على أن الليل ليس كذلك ومن وجه آخر قال الباجي: أن الشرع ورد بالذبح في زمن مخصوص وطريق تعلق النحر والذبح بالأوقات الشرع لا طريق له غير ذلك فإذا ورد الشرع بتعلقه بوقت مخصوص كقوله تعالى {فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ} (٢) وبنحر النبي - صلى الله عليه وسلم - وذبحه أضحيته نهارا علمنا جواز ذلك نهارا ولم يجز أن نعديه إلى الليل إلا بدليل وقد طلبنا في الشرع فلم نجد دليلا ولو كان لوجدناه مع البحث والطلب فهذا من باب الاستدلال بعدم الدليل فيما تتوقف شرعيته على وجود الدليل.

وأجاب ابن حزم عن هذا الاستدلال بقوله: هذا إيهام منهم يمقت الله عليه؛ لأن الله تعالى لم يذكر في هذه الآية ذبحا ولا تضحية ولا نحرا لا في نهار ولا في ليل إنما أمر الله تعالى بذكره في تلك الأيام المعلومات أفترى يحرم ذكره في لياليه إن هذا لعجب ومعاذ الله من هذا وليس هذا النص يمانع من ذكره تعالى وحمده على ما رزقنا من بهيمة الأنعام في ليل ونهار في العام كله ولا يختلفون فيمن حلف ألا يكلم زيدا ثلاثة أيام أن الليل يدخل في ذلك النهار.

وأما السنة فما روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - «أنه نهى عن الذبح ليلا». وهذا نص في الدلالة على عدم جواز الذبح ليلا وقد أجاب عنه ابن حزم بقوله وذكروا حديثا لا يصح رويناه من طريق بقية بن الوليد عن مبشر بن عبيد الحلبي عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار «نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الذبح بالليل» وبقية ليس بالقوي ومبشر بن عبيد مذكور بوضع الحديث عمدا ثم هو مرسل انتهى كلام ابن حزم وقال ابن حجر في مبشر بن عبيد: هو متروك ويجاب عن ذلك بأن البيهقي أخرج في سننه حديثا فيه النهي عن الذبح ليلا قال: أخبرنا أبو سعيد بن أبي عمرو ثنا أبو العباس محمد بن يعقوب ثنا الحسن بن علي بن عفار ثنا يحيى بن آدم ثنا حفص عياش عن شيث بن عبد الملك عن الحسن قال: «نهي عن حداد الليل وحصاد الليل والأضحى بالليل» وأجاب عنه البيهقي بقوله إنما كان ذلك من شدة حال الناس كان الرجل يفعله ليلا فنهي عنه ثم رخص في ذلك.

وأما المعنى فمن وجهين ذكرهما عبد الرحمن بن قدامة أحدهما أنه ليل يوم يجوز الذبح فيه فأشبه ليلة يوم النحر.


(١) سورة الحج الآية ٢٨
(٢) سورة الحج الآية ٢٨