للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الثاني أن الليل يتعذر فيه تفرقة اللحم في الغالب ولا يفرق طريا فيفوت بعض المقصود وأجاب ابن حزم عن الدليل الأول فقال هذا قياس والقياس كله باطل ثم لو كان حقا لكان هذا منه عين الباطل؛ لأن يوم النحر هو مبدأ دخول وقت التضحية وما قبله ليس وقتا للتضحية ولا يختلفون معنا في أن من طلوع الشمس إلى أن يمضي بعد ابيضاضها وارتفاعها وقت واسع من يوم النحر لا يجوز فيه التضحية فيلزمهم أن يقيسوا على ذلك اليوم ما بعده من أيام التضحية فلا يجيزون التضحية فيها إلا بعد مضي مثل ذلك الوقت وإلا فقد تناقضوا وظهر فساد قولهم وما نعلم أحدا من السلف قبل مالك منع من التضحية ليلا.

* * *

القول الثاني: أنه يجوز الذبح ليلا بمنى قال بذلك أبو حنيفة وروي عن مالك إن فعل ذلك أجزأه، وقال به أشهب من المالكية والشافعي وهو رواية عن أحمد وقول أكثر الصحابة وبه قال ابن حزم: قال الباجي نقلا عن القاضي أبي الحسن: وقد روي عن مالك فيمن فعل ذلك أجزأه ونقل الباجي القول عن أشهب فيه أنه يجوز الذبح ليلا، وقال الشافعي - رحمه الله -: ويذبح في الليل والنهار وإنما أكره ذبح الليل لئلا يخطئ رجل في الذبح أو لا يوجد مساكين حاضرون فأما إذا أصاب الذبح ووجد مساكين فسواء وقال النووي: مذهبنا جواز الذبح ليلا ونهارا في هذه الأيام لكن يكره ليلا وبه قال أبو حنيفة وإسحاق وأبو ثور والجمهور وهو الأصح عن أحمد وقال ابن قدامة بعد ذكره لرأي الخرقي وقال غيره من أصحابنا: يجوز ليلتي يومي التشريق الأوليين وهو قول أكثر الفقهاء وقال في الشرح: وروي عن أحمد أن الذبح يجوز ليلا اختاره أصحابنا المتأخرون وبه قال الشافعي وإسحاق وأبو حنيفة وأصحابه انتهى كلامه.

واستدل لهذا القول بالكتاب والمعنى، أما الكتاب فقوله تعالى: {لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ} (١). وجه الدلالة: يمكن أن يقال: إن الأيام تطلق لغة على ما يشمل الليالي ويمكن أن يجاب عن ذلك بأن حمل الآية على ظاهرها وهو أنها تتناول الأيام دون الليالي أحوط من حملها على تناول الليل والنهار


(١) سورة الحج الآية ٢٨