الحراني بن تيمية، الشيخ الإمام، العالم العلامة، المفسر الفقيه، المجتهد الحافظ، المحدث شيخ الإسلام، نادرة عصره، ذو التصانيف والذكاء، والحافظة المفرطة، تقي الدين أبو العباس ابن العالم المفتي شهاب الدين، ابن الإمام شيخ الإسلام، مجد الدين أبي البركات، مؤلف الأحكام، وتيمية لقب لجده الأعلى.
ولد بحران عاشر ربيع الأول، سنة إحدى وستين وستمائة، وتحول به أبوه إلى دمشق سنة سبع وستين وستمائة، وتوفي عام ثمان وعشرين وسبعمائة.
وسمع من ابن عبد الدايم، وابن أبي اليسر، والكمال بن عبد، وابن أبي الخير، وابن الصيرفي، والشيخ شمس الدين، والقاسم الإربلي، وابن علان، وخلق كثير.
وقرأ بنفسه على جماعة، وانتخب ونسخ عدة أجزاء، و (سنن أبي داود)، ونظر في الرجال والعلل، وصار من أئمة النقد، ومن علماء الأثر، مع التدين، والتأله، والذكر والصيانة، والنزاهة عن حطام هذه الدار، والكرم الزائد.
ثم إنه أقبل على الفقه ودقائقه، وغاص على مباحثه، ونظر في أدلته وقواعده وحججه، والإجماع والاختلاف.
وكان قوالا بالحق، نهاء عن المنكر، ذا سطوة وإقدام، وعدم مداراة، ومسائله المفردة يحتج لها بالقرآن والحديث، أو بالقياس ويبرهنها ويناظر عليها، وينقل فيها الخلاف، ويطيل البحث أسوة بمن تقدمه من الأئمة، فإن كان أخطأ فله أجر واحد، وإن كان أصاب فله أجران.
وكان أبيضا أسود الرأس واللحية، قليل الشيب، شعره إلى شحمة أذنيه، كأن عينيه لسانان ناطقان، ربعة من الرجال، بعيد ما بين المنكبين، جهوري الصوت، فصيح اللسان، سريع القراءة، تعتريه حدة، ثم يقهرها بحلم وصفح.
توفي محبوسا في قلعة دمشق على مسألة الزيارة، وكانت جنازته عظيمة