للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ذكائه وسيلان ذهنه، وقوة حافظته، وسرعة إدراكه (١).

كما قال عنه ابن عبد الهادي: (لا أعلم أحدا من متقدمي الأئمة ولا متأخريها، جمع مثلما جمع ابن تيمية، ولا صنف نحو ما صنف، ولا قريبا من ذلك، مع أن أكثر تصانيفه إنما أملاها من حفظه، وكثير منها صنفه في الحبس، وليس عنده ما يحتاج إليه من الكتب) (٢).

وقد أثنى على منزلته البزار - المتوفى عام ٧٤٩ هـ- أي بعد وفاة ابن تيمية بواحد وعشرين سنة - الذي عاصره، وعرفه عن كثب، فنافح عنه في كتابه: (الأعلام العلية في مناقب شيخ الإسلام ابن تيمية) وأعطاه ما يستحق من العرفان بمكانته، والتقدير لعلمه وفضله، وكان مما قاله عنه: وقل كتاب من فنون العلم إلا وقف عليه، وكان الله قد خصه بسرعة الحفظ، وإبطاء النسيان، لم يكن يقف على شيء، أو يستمع لشيء غالبا، إلا ويبقى على خاطره، إما بلفظه أو معناه، وكان العلم كأنه قد اختلط بلحمه ودمه وسائره.

فإنه لم يكن له مستعارا، بل كان له شعارا ودثارا، لم يزل آباؤه أهل الدراية التامة، والنقد والقدم الراسخ في الفضل، لكن جمع الله له ما خرق بمثله العادة، ووفقه في جميع عمره لأعلام السعادة، وجعل مآثره لإمامته أكبر شهادة، حتى اتفق كل ذي عقل سليم، أنه ممن عنى نبينا صلى الله عليه وسلم بقوله: «إن الله يبعث على رأس كل مائة سنة، من يجدد لهذه الأمة أمر دينها (٣)»، فلقد أحيا الله به ما كان قد درس من شرائع الدين، وجعله حجة على أهل عصره أجمعين.

أما غزارة علومه فمنها:

ذكر معرفته بعلوم القرآن المجيد، واستنباطه لدقائقه، ونقله لأقوال العلماء في تفسيره، واستشهاده بدلائله، وما أودعه الله تعالى فيه من عجائبه، وفنون حكمه، وغرائب نوادره، وباهر فصاحته، وظاهر ملاحته، فإنه فيه الغاية التي


(١) الكواكب الدرية، ص ٥٤.
(٢) الإمام ابن تيمية، لعبد السلام حافظ، ص ٦.
(٣) رواه أبو داود في السنن، باب: الملاحم، وفيه: من يجدد لها دينها