وأما السنة فإن أدلتها في هذا الموضوع متفقة مع القرآن. وأما الإجماع فإن الصحابة والتابعين ومن بعدهم من المجتهدين أخذوا بما دل عليه القرآن ودلت عليه السنة من وجوب الهدي على المتمتع والقارن فإذا لم يجد هديا أو لم يجد ثمنه فإنه يصوم عشرة أيام ثلاثة في الحج وسبعة إذا رجع إلى أهله ومن قال بالتصدق فإنه يطالب بدليل يخالف ذلك.
وأما سد الذرائع فإنه لو أجيز القول بالاستعاضة عن ذبح الهدي بالتصدق بقيمته لأدى ذلك إلى التوسع في أبواب الشريعة فمثلا يقال: تخرج نفقة الحج بدلا من الحج نظرا لصعوبته في هذا العصر. وهناك شبه قد يتعلق بها من تسول له نفسه القول بالجواز نذكرها فيما يلي ثم نتبع كل شبهة بجوابها.
الشبهة الأولى: قد يقال بالجواز نظرا لصعوبة تنظيم الذبح في الوقت الحاضر مع بقاء المفسدة على حالها بل ربما زادت مع تزايد عدد الحجاج. ويمكن أن يجاب عن هذه الشبهة بأمور أحدها: أن سوء تطبيق الناس لأمر كلفوا به لا يجوز نقلهم عنه إلى أمر لم يشرع لهم بدعوى أنه يسهل عليهم تطبيقه بل يجب السعي في تسهيل الذبح عليهم وحسن تطبيقه.
الثاني: أن هذا حكم مبني على مصلحة ملغاة وقد قرر العلماء على أن المصالح ثلاثة أقسام مصلحة معتبرة فيعمل بها بالإجماع ومصلحة ملغاة فلا يعمل بها بالإجماع ومصلحة مرسلة وفي العمل بها خلاف والمصلحة المذكورة هنا مصلحة ملغاة فإن الشرع لم يعتبرها بعد ذكره للهدي وفي حالة عدم القدرة عليه أو على ثمنه ينتقل إلى الصيام.
الثالث: أن المقصود من هذه العبادة إراقة الدم وأما اللحوم فهي مقصودة بالقصد الثاني قال تعالى: {لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ}(١)، وفي الاكتفاء بالتصدق بالثمن دون إراقة الدم إضاعة للقصد الأول.
الشبهة الثانية ما يجري عليه بعض الحجاج من تسليم ثمن الهدي الواجب عليهم للمطوفين وعمالهم بأنفسهم بصفة التوكيل حيث لا يباشرون بأنفسهم عمليات الشراء والذبح والتصدق باللحوم لتعذر ذلك عليهم وخوف الهلاك من شدة الازدحام أو المشقة أو الحرج.
ويمكن أن يجاب عن هذه الشبهة بما أجيب به عن الشبهة الأولى ويضاف إلى ذلك أن الحاج إذا وكل شخصا يشتري عنه هديا ويذبحه ويوزعه على المستحقين على الصفة الشرعية فقد خرج بذلك عن عهدة الهدي وصارت العهدة على من صار وكيلا للقيام بالشراء والذبح والتصدق فإن هذا مما يجوز التوكيل فيه شرعا.