للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الشبهة الثالثة أن درء المفاسد مقدم على جلب المصالح وبالتالي درء للمفاسد عن الأمة وجلب لمصالحها.

ويجاب عن هذه الشبهة بما أجيب به عن الشبهة الأولى ويضاف إلى ذلك: أولا: أن درء المفاسد مقدم على جلب المصالح لكن لا يصح أن يقال: إن ذبح الهدايا مفسدة وإن درءها بما ذكروه من إلغاء هذه الشعيرة والتصدق بثمنها؛ لأن من القواعد المقررة في الشريعة أن المفاسد درجات وأن المصالح درجات وأنه يجوز تفويت أدنى المصلحتين لتحصيل أعلاهما وارتكاب أخف المفسدتين لاجتناب كبراهما ودرء المفاسد مقدم على جلب المصالح فيما ليس فيه دليل شرعي وفيما إذا كانت المفسدة أرجح من المصلحة وما نحن فيه ليس كذلك بل قام الدليل على خلافه والمصلحة أرجح مما ظن مفسدة بتحريف النصوص عن مواضعها ومقاصدها.

ثانيا: أن هذا يفتح باب تلاعب في الشريعة فلا يكون للنصوص قيمة وإنما القيمة لما يصدر من سفهاء العقول من تصورات يزعمون أنها مصالح تستحق أن تقدم على الأدلة. ثالثا: أن النسك عبادة مبنية على التوقيت فلا يجوز العدول عن المشروع إلا بدليل شرعي موجب للعدول عنه وكل تشريع مبني على التوقيت فإنه لا يدخله الاجتهاد ومنه القول بالمصلحة المدعاة هنا.

رابعا: أن من وجب عليه الهدي يجب عليه إيصاله إلى مستحقه كما في قوله تعالى: {فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ} (١)، وكذلك سائر ما يجب عليه من الحقوق كالزكاة والنذر والكفارات وغيرها.

خامسا: أن الشارع لم يمنع الذبح في أي محل من الحرم كما قال - صلى الله عليه وسلم -: «نحرت هاهنا ومنى كلها منحر وفجاج مكة طريق ومنحر (٢)» فالحاج ينحره في أي موضع من فجاج مكة ويوزعه على الفقراء.

سادسا: علاج مشكلة اللحوم في منى: مشكلة اللحوم يمكن أن تعالج بالأمور الآتية: الأول: الكشف على ما يباع للتأكد من صلاحيته هديا من حيث السن والسلامة من الأمراض وموانع الإجزاء وتوضع علامة يعرف بها أن هذه الذبيحة تجزئ وما عدا ذلك يمنع.

الثاني: التوسع في توعية الحجاج ببيان المجزئ وما لا يجزئ حتى لا يقدموا إلا على بصيرة. الثالث: الإكثار من عدد المجازر في أماكن مختلفة من منى وفجاج مكة وإرشاد الناس إليها.


(١) سورة الحج الآية ٢٨
(٢) صحيح مسلم الحج (١٢١٨).