للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

معاذا وأبا موسى - رضي الله عنهما - إلى اليمن: «يسرا ولا تعسرا، وبشرا ولا تنفرا، وتطاوعا ولا تختلفا (١)».

فهذه الشريعة: شريعة التيسير، وشريعة المساهمة، وشريعة الرحمة والإحسان، وشريعة المصلحة الراجحة، وشريعة العناية بكل ما فيه نجاة العباد وسعادتهم وحياتهم الطيبة في الدنيا والآخرة.

فالله - جل وعلا - بعث نبينا وإمامنا محمدا - عليه الصلاة والسلام - بشريعة كاملة منتظمة للمصالح العاجلة والآجلة، فيها الدعوة إلى كل خير، وفيها التحذير من كل شر، وفيها توجيه العباد إلى أسباب السعادة والنجاة في الدنيا والآخرة، وفيها تنظيم العلاقات بين العباد وبين ربهم وبين أنفسهم تنظيما عظيما حكيما، وأهم ذلك وأعظمه ما جاءت به الشريعة العظيمة الكاملة من إصلاح الباطن وتوجيه العباد إلى ما فيه صلاح قلوبهم واستقامتهم على دينهم، وإيجاد وازع قلبي إيماني يزعهم إلى الخير والهدى ويزجرهم عن أسباب الهلاك والردى، فالله - عز وجل - أمر الناس في كتابه الكريم بما فيه صلاح القلوب وإصلاح البواطن. وعنيت الشريعة بهذا أعظم عناية؛ وفي الأحاديث الصحيحة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من ذلك ما يشفي ويغني؛ وما ذلك إلا لأن صلاح الباطن واستقامة القلوب وطهارتها هو الأصل الأصيل والركيزة العظيمة لإصلاح العباد من جميع الوجوه، وتأهيله لتحمله الشريعة وأداء الأمانة وإنصافه من نفسه، ولأدائه الحق الذي عليه لإخوانه، فكل عبد لا يكون عنده وازع قلبي من إيمان يزعه إلى الخير ويزجره عن الشر لا تستقيم حاله مع الله ولا مع العباد، ولهذا جاءت الآيات القرآنية الكريمة بالحث على خشية الله وخوفه، ومراقبته ورجائه، ومحبته والتوكل عليه سبحانه، والإخلاص له والإيمان به، وعلق


(١) صحيح البخاري المغازي (٤٣٤٢)، صحيح مسلم الأشربة (١٧٣٣)، مسند أحمد بن حنبل (٤/ ٤١٧).