بعد إقامة الحجة عليه. وقد ذكر ابن القيم - رحمه الله - في هذا المعنى في كتابه:(إعلام الموقعين) فصلا عظيما بين فيه أن الشريعة راعت عوائد الناس ومقاصدهم وعرفهم ولغتهم حتى تكون الأحكام والفتاوى على ضوء ذلك، فقد يكون عرف هذه البلدة وهذا الإقليم غير عرف الإقليم الآخر والبلدة الأخرى. وقد يكون لهذا الشخص من النيات والمقاصد ما ليس لشخص آخر ويكون لهؤلاء من العوائد ما ليس للآخرين، وقد تكون أزمان لا يليق أن يفعل فيها ما يليق أن يفعل في الزمن الآخر، كما كانت الدعوة في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - في مكة غير حالها في المدينة؛ لاختلاف الزمان والمكان، والقوة والضعف، وهذا من عظيم حكمة الله - جل وعلا - ورعايته لأحوال عباده، فقد يقصد بعض الناس بألفاظ البيع والهبة ما يقصد به آخرون معنى آخر أو عقدا آخر، وهكذا في الطلاق والإجارة وغير ذلك.
وهكذا بعض الأزمان قد يسوغ فيها ما لا يسوغ في أزمان أخرى، ومثل لذلك بأمثلة منها إقامة الحد في أرض العدو إذا وجد من بعض الغزاة ما يوجب الحد في أرض العدو، فقد نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - عن إقامة الحد في أرض العدو. لماذا؟
لأنه قد يغضب ويستولي عليه الشيطان فيرتد عن دين الإسلام لذلك ولقربه من العدو. ومن ذلك عام المجاعة فإذا كان عام مجاعة واشتدت الحال بالناس لا ينبغي القطع في هذه الحالة للسارق إذا ادعى أن الذي حمله على ذلك الضيق والحاجة وعدم وجوده شيئا يقيم أوده ويسد حاجته؛ لأن هذا شبهة في جواز القطع، والحدود تدرأ بالشبهات. ولهذا أمر عمر - رضي الله عنه - وأرضاه في عام الرمادة بعدم القطع، وحكم بذلك - رضي الله عنه - وأرضاه لهذه الشبهة. وهكذا